الأعوام التي تلت سقوط الدكتاتورية البغيضة في العراق لم تخلو من أخطاء كبيرة جداً وصفها بعض المراقبين السياسيين على أنها اخطاء استراتيجية، وإن الأكثر خطراً على العملية السياسية كان الإصرار على تلك الأخطاء التي أصابت قلب التغيير وأدمته، وهذا ما حذرت منه المرجعية الدينية العليا في فتواها الأخيرة التي دعت من خلالها إلى التصدي للإرهاب الأعمى المتمثل بعصابات داعش والقاعدة ومن معها وتصحيح أخطاء المرحلة الماضية وذلك من خلال تشكيل الحكومة بأسرع وقت.
المشهد الأمني الذي تردى مؤخراً وأدى إلى دخول العصابات المجرمة (داعش والقاعدة وبقايا حزب البعث المقبور وتنظيمات مسلحة متشددة أخرى) واحتلال محافظتي نينوى وصلاح الدين كان بسبب تلك الأخطاء التي تراكمت، ومنها:
أولاً- عدم الاستماع لمؤشرات الشركاء على الأخطاء:
الأحاديث التي أدلى بها بعض القادة السياسيين طيلة الأعوام الأربعة الماضية كانت تحمل انتقادات حادة لمسار الحكومة وهي ترتكب الخطأ تلو الآخر وخاصة على صعيد الملف الأمني، لذلك هم يقولون اليوم إن ما حدث لم يفاجئنا لأننا سبق وحذرنا الحكومة منه وأشرنا على الأخطاء الاستراتيجية القاتلة، ومنها:
أ- إن التشكيلات العسكرية وقياداتها لم تكن تعمل بعقيدة عسكرية بل كان الاختيار عشوائياً لم يخضع لمعايير عسكرية بحتة.
ب- الاعتماد على قيادات فاشلة أسست لعوامل الارباك في صفوف الأجهزة الأمنية ونشرت الفساد المالي والإداري (فضائيين – بيع وشراء المواقع في أغلب الوحدات) إلى غيرها، علماً أن هؤلاء القادة هم بعثيون معروفون ولكن حتى المقبور صدام رفض إعطائهم مناصب في الأجهزة الأمنية لأنه يعرفهم بأنهم فاشلين .
ج- غياب عنصر تقسيم مهام المنظومات الأمنية بحسب التخصص وبحسب الإخلاص والكفاءة والمهنية، وهذا ما أدى إلى استشراء الفساد وشراء الذمم للبقاء في المواقع الحساسة في هذه المنظومات، وخاصة أولئك المتحدرين من أجهزة النظام المقبور والمحسوبين على بقايا حزب البعث المنحل الذين يدفعون الأموال والرشى لبقائهم في مناصبهم.
د- انعدام منظومة روحية وعقائدية في كل التشكيلات ولم تُنمّى الروح الوطنية والشعور بالمسؤولية وحب الوطن والدفاع عن الديمقراطية والعراق الجديد، بل الذي زاد الطين بلة أن الهدف الأساس لبعض المنتسبين كان الدافع المادي أو الدافع الاختراقي من قبل المشبوهين الذين انخرطوا بالأجهزة الأمنية .
٢- التسليح ومصادر السلاح:
خضعت العديد من عمليات توريد الأسلحة لمساومات وعمولات وهي ليست خافية حيث أثيرت داخل مجلس النواب وشكلت لجان لمتابعة هذا الأمر وتناولته وسائل الإعلام، لكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم اختيار نوع السلاح ومدى تأثيره ومن أي منشأ وأين صنع، بل حتى في طبيعة هذه الأسلحة ومن نوادر المتابعين (السلاح أميركي والعتاد روسي أو أوكراني أو كوري أو أو... إلخ)، وفق نظرية خاطئة كما يقول المتخصصون أن توريد نوع السلاح وعتاده وكافة متعلقاته يجب أن تكون من ذات المنشأ لأن تعدد المناشئ يربك الأجهزة ويشتت الرؤى والبرامج والتدريب، وهذا لم يحصل في أضعف جيوش العالم.
٣- غياب الوقاية الأمنية:
بعد سقوط النظام المقبور أصبح العراق ساحة مفتوحة لكل دول العالم الصديقة والعدوة، وأدخل الأميركان شركات ربما كانت توظف طواقم مخابراتية تابعة لدول معينة تدور في فلك المحور الأمريكي. وهذا ما جعل العراق مكشوفاً أمنياً أمام دول العالم حتى شكك البعض من المراقبين في شركات الاتصالات بما فيها (كورك وآسيا وزين وحتى الكابل الضوئي) فكل هذه الأجهزة قادرة على التنصت على ما يدور في الأروقة العسكرية وفي كل مفاصل الدولة لغياب عنصر الوقاية الأمنية .
٤- منظومة الاستخبارات وغياب التخصص
الأمر الذي أثار استغراب المتابعين للشأن الأمني في العراق أنه كيف استطاعت عدة مئات من داعش الدخول بغتة إلى داخل نينوى، وكيف أدخلت آلياتها وأين كانت أسلحتها مخبئة؟!! بل كيف سقطت نينوى أمنياً؟!!
عليه نقول يجب أن لا نقف كثيراً عند هذه الأخطاء، ولابد لنا أن نعمل على تصحيحها كما أوصت بذلك المرجعية الدينية وأن لا نصر عليها فنقترف جريمة بحق الشعب العراقي دون أن نشعر بذلك، ولعل مقولة الاعتراف بالخطأ فضيلة والتراجع عنه شجاعة والبقاء عليه جريمة، هي مصداق لما أرادته وأوصت به المرجعية الدينية.