عمل مثل هذا قطعا يصنف على انه تدخل من قبل الأردن بشأن دولة أخرى. فماهي ردة فعل الخضراء؟ الجواب يفضح عقلية جهل مميت ومخجل أيضا.
نائبة "فاعلة"، كلامها مسموع ومطاع من لدن "القائد" دائما، طالبت الحكومة بالرد وبحزم على ما حدث. ممتاز وجيد جدا وأحسنت. لكن ما هي حجتها؟ بكل سذاجة تجيب لأن "العراق يزود الأردن منذ سنوات بدعم استثنائي من خلال إعطائهم النفط بأسعار رمزية" ثم تسأل ظانة انها ستهز عمّان وتبكيها كما فعل جدنا ضاري بلندن: هل جزاء إحسان العراق أن تفعل الاردن ذلك؟!
هنا مربط فرس الجهل: عندها المواقف تشترى بالفلوس. أو ليست هي التي قالت كلنا استفدنا واخذنا كومشنات، فعليش نختلف؟
واسأل لعل العقول تفيق: إن كانت المواقف تشترى بالنفط والمال، فماذا لو جاءت دولة أخرى ودفعت للأردن اكثر مما يدفعه العراق؟ ثم، هل لو اننا لم ندفع نفطا مدعوما للأردن يصبح من حقها ان تستضيف المؤتمر؟
أيها السيدات والسادة في الخضراء، من ساستها الى "منشديها": اسمعوا وعوا. ان الخطوة السليمة الأولى ان يطير وفد مقتدر و "محترم" الى عمّان يحسن توضيح الصورة للجانب الأردني فلعل الحقائق على الأرض لم تصله بشكل صحيح. وان فشل المسعى، فهناك مواثيق دولية وأخرى عربية تمنع على الدول التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى. السياسي الحصيف حتما سيفكر بمخاطبة جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي وهيئة الأمم ويطالبها بمحاسبة عضو من أعضائها لخرقه مبدأ عدم التدخل.
من باب فذكر ان نفعت الذكرى، اختصر لكم موقفا ناجحا للمعارضة العراقية في أيام صدام وحدث مع الأردن بالذات:
في أيام الحصار الأسود ما كان للعراقيين اللاجئين في دول الغرب سبيل لرؤية أهلهم في العراق غير اللقاء بالأردن. المشكلة ان اغلب أولئك اللاجئين يحملون وثائق سفر لجوء وليس جوازات سفر اجنبية. هذه الوثائق يُمنع أصحابها من الدخول الى جميع الدول العربية تقريبا، لا بل وجميع دول العالم عدا بعض الدول الاوربية التي تسمح فقط بدخول حملة وثائق اللجوء السياسي (الزرق). أما اذا كانت من النوع الإنساني (بنيّة) فلا دولة ترحب بحامليها غربية كانت او عربية. كانت الأردن من بين اشد تلك الدول تمسكا بمنع دخول أصحاب تلك الوثاق مهما كان لونها.
ذات يوم زار الراحل الملك حسين بريطانيا. دعاه المرحوم السيد مجيد الخوئي لزيارة مؤسسة الإمام الخوئي بلندن فلبي الدعوة على الفور. عندما حضر خاطبه السيد مجيد بلغة تقطر تهذيبا ودماثة ورجاه ان يساعد العراقيين في دول اللجوء بالاجتماع بذويهم في العراق مذكرا إياه بحقه عليه لانهما من جد واحد. نهض الملك ليرد وبلغة مهذبة أيضا: تؤمر سيدنا. وهكذا استطاع السيد الخوئي صاحب العقل الراجح ان يسهل لقاء الآلاف من العراقيين بأمان في عمّان.
بالمناسبة كان صدام بوقتها أيضا يمنح النفط العراقي للأردن بدون مقابل وليس بسعر مدعوم فقط. لقد جن جنون البعثيين، العرب والعراقيين، بفعل ذلك القرار. هل في الخضراء من يفهم ذلك الدرس؟ لا أظن، لكني أتمنى.