ما جرى لاتباع الطائفة الشيعية في تلعفر ومعسكر سبايكر وطوز خورماتو وآمرلي وحي تسعين في كركوك وفي احياء بغداد ذات الغالبية الشيعية والقتل الجماعي “على الهوية” في مفارق الطرق العامة ومذابح مثلث الموت والنخيب يمكن ان يدخل، وبكل بساطة، وفي عبارات جنائية باردة ومحايدة، في موصوف الابادة الجماعية الإنسانية، ليس فقط لأن الضحايا مدنيون وآمنون وغير مسلحين وليسوا معنيين بالسياسة مباشرة، ولا لأن قاتليهم طائفيون وتكفيريون متطرفون، بل لأن اعمال القتل تمت في تصميم متعمد لإبادة شريحة سكانية من غير تمييز في العمر والجنس والموقع وذلك لأغراض “الانتقام السياسي”.
وبعبارة اخرى، فان الغارات والتفجيرات والهجمات الانتحارية طالت سكانا مدنيين غير مشاركين بادارة الصراعات السياسية ولا تقع في ذمتهم حقوق لأحد ولم يغتصبوا ممتلكات او مناصب تعود لنظراء او سكان آخرين، بل لغرض تحقيق اهداف سياسية، الامر الذي تدينه قوانين المحكمة الجنائية الدولية المختصة بالنظر في الجرائم التي تتصل بالابادة الجماعية والجرائم الانسانية المحرمة للمدنيين، وطبعا، ينبغي ان نضيف الى هذه المحددات من الضحايا عشرات الالوف من ابناء الجيش والشرطة “الشيعة” الذين قتلوا واختطفوا واغتيلوا في خلال خدماتهم البعيدة عن العمليات الحربية وميادين المواجهة، فقط لأنهم ينتمون الى طائفة من الطوائف.
ونحتاج هنا ان نقرأ ديباجة قانون المحكمة الدولية لنعرف انها تشير الى تلك الجرائم كونها تعني بالتحديد "أي فعل من الأفعال المحددة في نظام روما الذي اعتمد عالم ٢٠٠٢ (مثل القتل أو التسبب بأذى شديد) ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا" وتتضمن ايضا القول ان "الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب بصرف النظر عن ارتكابها وقت السلامِ أَو الحرب" وان الغرض من المحكمة.. "تكون محكمة ملاذ أخير, فتحقق وتحاكم فقط في حالة فشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك".
وهكذا بلغنا الصفحة الاولى من "المحنة" التي تضرب حياة ووجود الشيعة العراقيين المسجلة على مسؤولية القضاء العراقي الذي وقف عاجزا عن لجم الجريمة والمجرمين، بل ان الوقائع المعروفة تؤكد ان السجون التي القي فيها المتورطون في اعمال القتل والتفجيرات (لا يُستبعد وجود ابرياء بينهم) قد تحولت الى مفارخ للانتحاريين وعتاة المجرمين القتلة، ومرافق فساد جرى تسهيل هروب الالاف من الارهابيين.
اما الصفحة الثانية من هذه المحنة، وهي الاكثر خطورة وإيلاما وحساسية، فانها تتصل بالسياسيين الذين يأخذون على عاتقهم "تمثيل" الشيعة وحمايتهم.. فقد اساءوا استخدام السلطة وحولوا هذا الملف الى ملعب للفساد والفئوية والمصالح الشخصية، إذْ اختزلت المحنة الى منصب يغشّ.. ودموع مغشوشة.
" قد يدفع باحتمال المكروه ما هو أعظم منه".
محمد بن الحنفية