التصريحات وحدها غير كافية لكي يستند اليها المراقب في بناء تصوّر عن شكل ومنهج وسياسات حكومة حيدر العبادي، او في ما تختلف عنه حكومة انتخابات ٢٠١٤ عن سابقتها حكومة انتخابات ٢٠١٠ إلا في حدود القول بان وجوها جديدة ستحل محل وجوه تراجعت حظوظها بسبب ما احاط إداءها وسمعتها بعض الطعون، وربما سيكون هذا عنوان “التغيير” البارز في العهد الوزاري الجديد، فيما ستوضع شعارات ومفردات التغيير التي رُوّجت في السباق الانتخابي على الرف، الى حين يقتضي مراعاة شكوى الجمهور أذا ما تململت خارج الانضباط.
ومن زاوية معينة، يجب ان نتوقع، في حال نجح العبادي في العبور بفريقه الحكومي القائم على “الشراكة” من بوابة البرلمان، بان الكثير من المواقف والسياسات السابقة ستكرر نفسها في اشكال معينة، والبعض الآخر سيخضع الى لمسات تجميل في مفاصل كانت ملتهبة، والبعض الثالث الى ما يشبه التغيير ليمتص الاعتراضات والشكاوى المبكرة في الشارع والمرجعيات الدينية والدول المجاورة، والبعض الرابع ما يبدو انه تغيير في سياق اتخاذ القرارات بالنظر لارتباطه بـ”ثوابت” نهج رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لم تكن مقبولة بسبب الاتهامات بالفردية والاستبداد.
ومن زاوية اخرى، يبدو ان هذا لا يعدو عن قراءة استباقية لاحتمالات تشكيل الحكومة المقبلة وإدائها، بموازاة احتمالات اخرى لا يجازف المراقب باسقاطها وتتصل بمصير هياكل تنفيذية (عسكرية وإدارية) ارتبطت بشخص المالكي، فيما يُسرّب مطبخ المفاوضات بين الفرقاء المعنيين المزيد من المعلومات والاشارات والايحاءات والاتفاقات المتضاربة التي تمس هذا الملف الحساس، ويدخل الكثير منها في باب التمنيات، والبعض منها في باب “الحقوق” والاخيرة مفردة عدّها البعض من المعلقين (وانا منهم) بمثابة استفزاز لمشاعر المواطن، إذ تصبح للسياسي حقوق في الهيئة التنفيذية فيما هي (نظريا في الاقل) واجبات ينبغي النهوض بها، ويذهب البعض من المشتغلين بتطييب الخواطر الى القول بان تلك الحقوق تعني حقوق الشرائح التي يمثلها السياسيون.
نحن نتحدث عن الاحتمالات، واحيانا عن تصورات، تصطدم في بيئة سياسية وامنية تضطرب انواؤها، وتتداخل عناصرها، وتتعقد اكثر فاكثر مفاتيح كشف النيات حتى ليبدو اننا بحاجة.
الى شيء من علم نفس الخوارق، الباراسيكولوجي، لكشف النيات والظنون، والى المنجم المصري السيد الشيمي الذي تنبأ منذ وقت مبكر بوقوع نكسة ٥ حزيران ١٩٦٧ وحرب اكتوبر ١٩٧٣ أو الى فروسية الكاهنة اليمنية “طريفة” التي أنبأت “عمر بن عام” أحد ملوك بلادها بزوال ملكه، وبخراب سد مأرب، وايضا الى هواجس زرقاء اليمامة عن خطر داهم، فلم يصدقها أهلها.. فراحوا طُعما للسيوف، وهم نيام.
"المياه الهادئة لا تصنع بالضرورة بحاراً آمنة".
همنغواي