الحواسم والتجاوزات شكل متطور للفرهود ولكنه اكثر انتظاماً واقل جماعية.. فالفرهود يحصل في فترات الفوضى والثورات ويستهدف المتنفذين واملاكاً عامة.. تقول الهوسة.. "شحلو الفرهود كون يصير يومية".. اما الحواسم والتجاوزات فهي عمل جماعي وفردي.. موسمي ويومي.. يستهدف الجميع دون استثناء. ويشكل الفرهود والحواسم نموذجاً بدائياً.. وحالة انتقامية لتوزيع واعادة توزيع الثروات.. ولوضع اليد على "حق" للغير، وتأسيس "حق" جديد.
اما املاك الدولة، فتراكمت عبر تاريخ طويل. وللاسف، يتم الكلام عنها وكأنها مقدساً.. رغم حالات التجاوز الكثيرة. الفارق، انه يجرى تقنين التجاوز باجراءات فوقية واعتباطية، غالباً بغياب المصلحة العامة والاساس الشرعي والقانوني. وهناك احساس متراكم بان "الدولة" تقوم بتجاوزاتها وبحواسمها وفرهودها الخاص، لفقدانها التمثيلية احياناً، ولتجاوزاتها الجائرة على ما للغير في احيان اخرى.. ولعدم شعور الناس بنفعية اجراءاتها. ناهيك عن الفساد والتحايل والاستيلاءات الباطنة، لتمنح الاملاك والحقوق للمحسوبين والمقربين، لتأتي التجاوزات الاهلية كمضاد مقابل لهذه السلوكيات.
فتراكمت فوضى من الانظمة واجراءات التملك الخاص والعام والعقود والارث، وغيرها. فضاعت الحدود والحقوق واصبحت غامضة ومعقدة.. جانب الاحساس بالحيف والظلم اكثر من جانب العدل والرضى. وتولدت قاعدة واحساس وممارسة بان من يضع يده على حق او ملك فسيصبح له، عاجلاً ام اجلا.. ان الكثير من املاك الدولة والحواسم والفرهود والتجاوزات هي اشكال لاشرعية وعدوانية، او انتقامية ومدمرة من اشكال توزع الثروة واعادة توزعها.. سببها الظلم والحرمان من جهة وفوضى التشريعات والانظمة سواء الحاكمة او في علاقات الافراد والجماعات. وان علاج ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً.. ولعل اهمها البدء بخطة لتوزيع الارض مجاناً لمن يستحق من المواطنين، وليس الموظفين فقط.. مع مراجعة شاملة لانظمة الملكية والعقود والارث والحيازات والاستثمارات واشكالها وطرق انتقالها.. انظمة توفر العدل والرضى والاستقرار ولا تزرع الحقد والحرمان والفوضى.
دول العالم ومجتمعاتها تعّرف وتحمي الحقوق الخاصة والعامة, وتوفر ضمانات وخدمات وسكناً لشعوبها، بل لغيرهم ايضاً.. ونحن لا نؤسس لاحترام مواطنينا وحقوقهم وحاجاتهم الاساسية.. او لاحترام الحق العام والدولة وواجباتها وحدودها، بل نؤسس –قسراً- لشرعنة التجاوز والحواسم والفرهود، الرسمي والاهلي على حد سواء."