سبب الفساد هو ترهل وفوضى في الكم والنوع للادارات واللجان.. وفي القوانين والاجراءات.. التي جعلت لكل دائرة، وموظف معايير خاصة لتفسير التعليمات والكتب والمستندات اللازمة وصحة الصدور..الخ. فالذي يسهل المعاملات ويحترم روح القانون ونصه الاعم، هو موظف يسقطه نظام الكيد والفساد. اننا نظام "الاقطاعات الادارية" بمالكيها و"سراكيلها". ليس بالضرورة، بسوء قصد، بل بسبب الخوف وعادات العمل ونزعة التفرد التي تفرضها الاجواء والممارسات السائدة. كلنا يستنشق هواء الفساد والتزاماته، بوعي وبدونه.. في الوساطات التي نقوم.. في التعيين والاختيار والسفر والايفاد والترفيع والمخصصات.. في العقود والمناقصات والمزايدات.. في المواصفات المعقدة المتخلفة غير الشفافة بكلفها العالية وركاكة تنفيذها.. في الفلس الذي نحرص عليه فنخسر الدينار. في التوثيق والحفظ والمخاطبة التي تغبن الحقوق وتهدر الوقت وتسمح بالتلاعب. انه استمرار احتكار الدولة ومركزيتها وتدخلها في الصغيرة والكبيرة، لتنوء باعباء غير مصممة لها، ولتحجز الاخرين –كل الاخرين- من اخذ دورهم.
ارتفع عدد الملاكات خلال ثمان سنوات الى (٢.٥-٣ مليون عدا التقاعد والرعاية وغيرهما) بعد ان كان ربع ذلك قبل سنوات قليلة. في حين لم تتقدم انتاجية الدولة ومتطلباتها، بل تراجعت.. في الصين (٢٠) وزارة، وما لدينا اكثر من (٢٧) وما يكفينا هو (١٥) كحد اعلى ، وكذلك المديريات والاقسام..الخ.
لابد من اللجوء "للتعبئة الاجتماعية" و"الاقتصاد الموازي" و"اقتصاديات السوق".. ليكون الاخير معياراً لكفاءة القطاع العام والخاص.. ولمساعدة القطاع "الموازي" و"الاهلي" لتوفير العمالة والخدمات والمصالح، بدل الاعتماد الاحادي على الدولة. اما الترهل والفوضى في الادارات والاجراءات والقوانين فعلاجها الغاء الفاسدة والمعرقلة، واللجوء للادارة والتنظيم الحديثين، ومنها الحكومة الالكترونية، وجعل الكفاءة والانتاجية والسرعة معايير حقيقية لخدمة المواطن والمصالح.
ليست الدولة اليوم للخدمة العامة، بل هي نوع سيء "للرعاية الاجتماعية". والمضحك المبكي، انه سيكون اوفر للموازنة والاقتصاد والمواطنين والاعمال بما فيه الانجاز الحكومي السماح للعدد الاكبر من الموظفين -المدنيين والعسكريين- استلامهم رواتبهم.. والبقاء في بيوتهم. فالفساد الاعظم الذي لا يستطيع مجلس النواب –وغيره- استجوابه هو هذا الترهل والفوضى."