من الخطأ تسمية المعركة اليوم (بحرب الأسعار)، بل ان ذلك ناتج عرضي، اما المعركة اساساً هي معركة الإمدادات، وهنا لا فرق بين الشحة والوفرة، فكلا الأمرين يؤدي الى رابح وخاسر في نهاية المطاف. وهنا تكمن الخطورة، وما اعنيه تحديدا ان النفط لا يزال يستخدم كسلاح بغض النظر عن الغطاء فتارة يبدو سياسي وأخرى يبدو اقتصادي منذ ١٩٧٣ وحتى ٢٠١٤.
في عام ١٩٧٣، كانت بدايته، حيث تم استخدام النفط كسلاح في الحرب بين اسرائيل والعرب، وتوقفت امدادات النفط من معظم دول الأوبك مما أدى الى شحة الإمدادات النفطية في السوق وأدى الى ازمة محروقات في العالم الغربي، وكذلك ادى الى ارتفاع اسعار النفط بشكل حاد وكانت تلك البداية، جرس إنذار للطرفين، الطرف المستهلك بدأ يلملم جراحاته ويرشد سياساته للتقليل من الاعتماد على النفط، الطرف المنتج اكتشف ان السلاح بيده ولكن ليس من السهل تكرار التجربة بعينها، فتلك فلتة من فلتات العرب سوف لن تتكرر. فالمصالح العالمية المشتركة تركز على تامين الإمدادات النفطية للعالم وعليها تبنى السياسات، اما الأسعار فتلك قضية اخرى، المهم ان لا تحدث شحة مقلقة في السوق، وهذا يعني امكانية استخدامه كسلاح لتحقيق اهداف مرحلية وستراتيجية تحددها بعض الدول المنتجة في الأوبك، وكانت الأوبك كمنظمة في كلا الحالتين هي الغمد لذلك السلاح القاتل.
منذ نصف قرن، وفي مراحل مفصلية من تاريخ الصراع في المنطقة، استخدم النفط كسلاح لتحقيق اهداف سياسية تحت غطاء الأوبك، وهذه السياسة ليست بالضرورة كانت تدر بالفائدة على كل اعضاء المنظمة، وخاصة في فترات النزاعات، ففي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي كان الخاسر الاكبر في الأوبك العراق حيث استولت على حصته الإنتاجية بعض دول الأوبك وفي مقدمتها السعودية. والخاسرون اليوم من لعبة (انفلات الانتاج) بالدرجة الاولى هم ايران والعراق والسعودية ونيجريا والجزائر.
فمحصلة القول، ان المتضررين بالدرجة الاولى من هذه اللعبة هم بعض دول الأوبك بفعل اصرار اعضاء آخرين في الاوبك على عدم تخفيض سقف الانتاج ، وهذا اضرار متعمد كما يبدو، وبالتالي هل يمكن القول ان الهدف الاساس للمنظمة لازال قائما، وهو الحفاظ على مصالح الدولة المنتجة.
لقد ان الأوان في اعادة النظر في جدوى استمرار المنظمة بالشكل الراهن، والبحث عن اليات اخرى قادرة على حماية مصالح الدول المصدرة للنفط، لقد كانت المنظمة في مراحل معينة نافعة، اما الإصرار على استخدامها كغطاء لتعويق التنمية لاكثرية أعضائها، فذلك ما يستحق اعادة النظر بجدواها بشكل جدي، وتقع على العراق مسؤولية كبيرة في هذا الشان.
د ابراهيم بحر العلوم