"استغربنا صدور مذكرة توقيف وتحري بحق النائب الموقر الشيخ صباح الساعدي بتاريخ ١٨/٩/٢٠١١، وذلك بموجب المادة ٢٢٦ من قانون العقوبات العراقي.. وتصريح البعض ان الامر لا يحتاج حتى لرفع الحصانة البرلمانية لان الجرم المشهود لا يحتاج لرفع الحصانة بدليل التصريحات العلنية. رغم وضوح المادة (٦٣/أ) التي تنص: "يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من اراء في اثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك".. اما الفقرات (ب/ج) من المادة المذكورة فتتكلم عن الجرم المشهود في تهم الجناية كالسرقة والقتل والاغتصاب والاعتداء وغيرها، وليس الادلاء باراء حسب النص اعلاه. ذلك لمن يريد تطبيق الفهم الدستوري لاسيما المادة (١٣) التي تعتبر الدستور "القانون الاسمى والاعلى في العراق" والذي يعتبر باطلاً "اي نص قانوني اخر يتعارض معه".. هذا من جهة ومن جهة اخرى نؤكد على ما ذكرناه مراراً من اهمية رفع مستوى تخاطب السياسيين والاعلاميين والتمييز بين اهمية الاعلام وضرورة حمايته كوسيلة للتعبير عن الرأي وكشف الحقائق واطلاع الرأي العام.. والاعلام كوسيلة غير مناسبة للتراشق والتسقيط بديلة عن الاجراءات الاصولية ونص وروح الدستور والقوانين والاجراءات المتطابقة معه.
اما فيما يخص المذكرة ذاتها فنعتقد ان هذا سلوك خطير في علاقة السلطة التنفيذية بالقضاء من جهة، وبحقوق مجلس النواب التشريعية والرقابية من جهة اخرى.. وبحرية الرأي والتعبير والديمقراطية عموماً. ونقترح على الاخ السيد رئيس مجلس الوزراء سحب المذكرة ومعالجة الامور بنفس هادىء وصبور. فما هو اخطر من غياب القضاء، استغلاله لاغراض سياسية.. فالقوانين العراقية السارية الموروثة، والتي كانت اداة السلطة القمعية الفردية الاستبدادية، ما زالت مملوءة بمواد يمكنها ان تطال اي مواطن او مسؤول لسبب او اخر.. فالمواد ٢٢٥ و ٢٢٦ و٢٢٧ و٢٢٨ من قانون العقوبات العراقي، والتي استند اليها لاصدار مذكرة التوقيف تتعلق "باهانة رئيس الجمهورية او من يقوم مقامه.. او مجلس الامة او الحكومة او المحاكم او القوات المسلحة او غير ذلك من الهيئات النظامية او السلطات العامة او المصالح او الدوائر الرسمية او شبه الرسمية.. او من اهان دولة اجنبية او منظمة دوليه لها مقر بالعراق او اهان رئيسها او ممثلها لدى العراق او اهان علمها او شعارها الوطني.. او من نشر امراً مما جرى في الجلسات السرية لمجلس الامة او نشر بغير امانة وبسوء قصد امراً مما جرى في الجلسات العلنية لهذا المجلس".. وهذه ببساطة مساحة يمكن ان تنطبق على كائن من كان ولأي فعل كان.. خصوصاً ان تعريف الاهانة هنا اعتباطي وله تفاسير ذاتية. فهل هو باستخدام الكلمات النابية.. او الاتهامات الباطلة بدون دليل كالاتهام بالسرقة والقتل والاغتصاب.. او الاتهامات السياسية موضع الجدل كالفساد والتعصب والطائفية والدكتاتورية والاعداد لانقلاب عسكري او التآمر والسير بالبلاد نحو الهاوية.. ام تهم الخيانة والاتصال بالاجنبي.. خصوصاً وان المواد اعلاه لا تتكلم فقط عن اشخاص حقيقيين بل عن اشخاص معنويين كالحكومة والمحاكم والقوات المسلحة والدول والمنظمات الاجنبية.. فهل تعتبر اهانة القول مثلاً، ان هذه الهيئات والدوائر مقصرة في عملها او ان الفساد مستشر فيها وانها تسيء التعامل مع المواطنين.. ام هو نقد وتحذير وتشخيص واقع.. ام هو ببساطة حملة انتخابية وتدافع سياسي ليس الا!! فخلفية هذه المواد كانت الدفاع عن صدام واعوانه.. وانها تسببت في معاناة الكثير من العراقيين، وهذا يستوجب الالغاء، او على الاقل التعديل لتتكيف مع الدستور، بل مع الواقع الراهن بدلالة كلامها عن مجلس امة لا وجود له.. اما بعث الحياة فيها لنعيد ممارسة اعتقدنا انها ولت ولن تعود فهذا ما يدخلنا في مأزق جديد.. لذلك كله نرى حكمة وضرورة المسارعة لالغاء المذكرة. واذا كنا امام ظلم او عدوان واقع ومن اي طرف، فاللجوء لاجراءات اقل اثارة واكثر لياقة واحفظ لمصالح البلاد ودستوره، وهي ليست قليلة على اية حال. ونرجو ان لا يكون هدف القرار كم الافواه ليبقى هناك طرف واحد يتكلم. فرأينا ان هذا سيزيد الكلام في غير مواقعه وسيكثر من اللغط وسيعمق ازمة الثقة ولن يحلها.. اما اذا كان القرار هو المضي قدماً في مثل هذه الاجراءات، فانها بهذا الفهم يجب ان تشمل قائمة طويلة ممن يستخدمون اليوم وسائل الاعلام للاهانة والاتهام دون دليل او حجة. وعلينا جميعاً ان نتعض من تجربة العراق القاسية، وان نساعد على تهدئة الاوضاع ومعالجة المشاكل والقضايا المطروحة وفق الاجراءات الاصولية بدون ضجيج، ووفق روح ونص الدستور. بل علينا ان نتعض مما يجري امامنا.. فها هو الرئيس السابق مبارك يحاكم بنفس القانون
الذي كان يحاكم به خصومه. فالاولى بالمسؤولين اعطاء الاولوية لمن يهين المواطنين في امنهم وحقوقهم وخدماتهم.. وان نمنع فعلاً الاهانة لاي مسؤول او مواطن او دائرة ولكن وفق قوانين تطابق الدستور وما يمنحه من حقوق وحصانات.. وبتمييز واضح بين اداء الواجب وكشف الحقائق والنقد والشفافية من جهة وبين الاهانة والطعن التي يجب ان تعرف وتوضح حدودها من جهة اخرى... والله من وراء القصد."