بسم الله الرحمن الرحيم
في ٢٣/٢/٢٠١١ كتبت الافتتاحية بالنص ادناه، ارى مفيداً اعادة نشرها:
"اذا كان بناء مساحات الحكم والمعارضة هو امر مهم، فان بناء مساحات حركة الشعب وحقوقه هو الامر الاخطر والاهم. انها مساحات الشرعية النهائية التي يُحكم باسمها بعد الله سبحانه وتعالى. انها ليست مجرد كسب تصفيق الناس او اصواتهم. كما انه ليس مجرد نقد يكتب في صحيفة او مهاجمة مسؤول او تسقيط حزب حاكم. انها طريقة تشكيل الرأي العام بمؤسساتيته وحماياته وحقوقه ومصالحه وفاعلياته.
فالشعب ليس قوة هلامية.. انه ليس مجموع اعداد افراده.. انه قوة جبارة.. قوة حية تموج بالحركة، تختزن وتراقب.. تتطور وتتزايد ليس كماً فقط بل نوعاً ايضاً. لها توازناتها التي تعطيها عوامل الاستقرار او عوامل التفجر والغضب، حسب سوء او حسن الادارة. تكتسح -كما يكتسح التسونامي- الشواطىء والبيوت والناس.. لتنحسر تاركة الموت والدمار. او كأمنا الارض تحملنا وتطعمنا، نعطيها القليل لترده علينا غزيراً كثيرا. فالشعوب شانها شأن الحاكم والمعارض تخطىء وتصيب.. لكنها خلافهما تمتلك من الوقت والعوامل ما يسمح لها باكتشاف نهجها وحكمها العادل، تفجراً او تجديدا.
واهمية الراي العام في السياسة هو كاهمية السوق في الاقتصاد.. يلتقي فيه العرض والطلب ليستقر السعر وتتحقق البضاعة. فهو ليس مجرد اعمال مقايضة او حوانيت صغيرة مبعثرة. انه نقطة اللقاء لكل عوامل الاقتصاد وغيرها... والراي العام ايضاً هو نقطة اللقاء في المجتمع ومركز اعصابه ومحركه النهائي، القائم على الاف بل ملايين الحقائق والذي يوحد.. ويجسد.. ويكثف.. ويختزل مصالح وثوابت وحقوق ومطامح واتجاهات الشعب، كل الشعب، وليس شارع منه او فريق او حزب او عشيرة. فالرأي العام تصنعه الاغلبية واقليتها. تصنعه الاحزاب والاعلام والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وغير الحكومية.. يصنعه الفرد والعائلة والعشيرة والجماعات.. يصنعه الاقتصاد والاجتماع والعلم والجامعات.. تصنعه المعتقدات والقيم والزمان والمكان. تصنعه باختصار اتجاهات الحياة وحقائقها. الرأي العام ليس مجرد انطباعات وشعارات وقتية تأتي وتذهب.. انه مؤسسة حقيقية بكل ما تتطلبه من اعتراف وحماية وتشجيع.. العاقل من يرى ويستثمر قواها الحقيقية.. والجاهل من يأخذه الغرور و توازنات اللحظة فيصطدم بها.
ان الرأي العام لدينا، مؤسساتياً ووظائفياً غائب. فمعاني الحكم والمعارضة والدستور والمؤسساتية قد غابت لفترات طويلة ولم تبن بعد بالشكل المتكامل. واننا اليوم، وفي كل يوم، مخيرون بين تسونامي الدمار وموجات الغضب، او بين الرشد وحسن الادارة.. ففي النهاية هناك توازنات ان لم نحترمها، فان الحياة وحركة الشعب ستفرضها علينا شئنا ام ابينا."