فالنظام الصدامي اتبع –مثلاً- اساليب تعبئة سمحت له بتجييش الجيوش وتجنيد الرأي العام، والهيمنة لفترات على قدرات البلاد ومصائر العباد. وهناك من يدعو للعودة الى تلك الطرائق علناً او ممارسة. فيرى فاعلية التعبئة وينسى اثارها التي تحولت الى اداة للاستبداد والظلم والعدوان والحرب والمصادرة. فالتعبئة الاجتماعية بطبيعتها تعتمد على عصب. فهي تحمل في داخلها موقفاً من اخر غيبي، قومي،عنصري، قبلي، طبقي، ديني، مناطقي، مذهبي او اجنبي.. ولكي نصل بالتعبئة الاجتماعية الى مستواها المطلوب لابد من ملاحظة امرين.
• غلبة التعبئة المحلية على حساب التعبئة الوطنية.. فالقومية والمذهبية والمناطقية -وهي مركبات طبيعية- ما زالت الاقوى. وستتحول الى مركبات سلبية وعوامل صراع وتعطل، ان استغلت كادوات تعبئة وشحن في ساحة ضد اخرى، كما يمارس البعض.. وان لم تحتوها المبادىء الدستورية والمصالح الوطنية العليا.
• الحذر من خلل المباني. والقرآن الكريم يرشدنا للفارق. فالانسان في خلفيات تجارب اخرى بحاجة الى اخر يعاديه ليؤكد ذاته.. بينما تنطلق الرؤية القرآنية من التعبئة ضد مفهوم ومبدأ ومن اجل مفهوم ومبدأ.. انها ضد صورة ومكنون وليس ضد جنس لذاته. فالانسان يعمل للحق والخير.. ويحارب الشيطان والكفر والفقر والجهل والعدوان والظلم والفساد، الخ.. فيقف ضد من يتلبس بذلك.. وهذا فرق جوهري تغافله وسقط بنقيضه الكثيرون، بما في ذلك من "الاسلاميين".. فالرؤية القرآنية تلاحق المفهوم ومن يلتصق به او يفارقه. بينما التعبئة ضد الاخر بجنسه سترسخ عداوات بين الناس والشعوب.. ومن تطبيقات ذلك عندنا تكريس فكرة تحارب العرب والفرس والكرد والترك.. والسنة والشيعة.. والمسيحيين والمسلمين.. والغربيين والشرقيين، وقس على ذلك.
الطريق سالك، لكنه غير مغلق امام التوجهات الضارة. فالنجاح والارتقاء بالمستوى يتطلب احتواء التعبئة المحلية دون التصادم معها او التعيش على تأجيجها.. ويتطلب جعل التعبئة الاجتماعية حول المشتركات والمصالح والرؤى امراً مغرياً ومفيداً ونافعاً للجميع دون استثناء.. ليرى المواطن خصوصياته، كما يرى شؤونه الوطنية والعامة."