والمدافع عن قضية الجزائر، والمدفون في ارضها. وهو عمل منهجي تربى عليه جيل حركات التحرر، وحق تقرير المصير، والثورات الشعبية، والانقلابات العسكرية. فطرد الاستعمار، وانتصرت حركات الاستقلال، واسست الدول، وتغير الحكام، لكن الاضطهاد والتخلف بقي يجدد نفسه بشكل او باخر.
خلاصة الكتاب المترجم لاكثر اللغات ومنها العربية، ان المضطهَد سرعان ما يتقمص سلوك المضطهِد.. فممارسات القهر والتعذيب والغطرسة والاستبداد ما تلبث ان يتلبسها من كان بالامس مضطهَداً ومعذِباً.. وان الاقتداء بالمستبِد وانتقال قيم الظالِم الى المظلوم ليس بالامر الجديد.. بل تجري السلوكيات السيئة في الهرم الواحد. فترى المرؤوس يشتكي استبداد الرئيس وعنجهيته.. لكنه يقوم بالامر نفسه مع من هم ادنى منه.. وهكذا لتصل الى الشرطي والموظف الذي يهين بدوره المواطنين ويسيئ معاملتهم. ويسري الامر على الجماعات والامم.. فترى من كان مستعمَراً بالامس يقلد سلوك مستعمريه السابقين ويتصرف مع الاخر، تماماً بالاسلوب الذي كان يعاني منه. ويمتد الامر للحزب الذي يستنسخ علاقات الدولة المستبِدة.. والعائلة حيث يتصرف الرجل كأي مسؤول متعجرف، والمرأة كأي مواطن مضطَهد.. ويتصرف الاثنان مع الاولاد بنمط العلاقة نفسها.. وهكذا.
وبغض النظر عن دقة الاستنتاجات، لكن قوة التلبس ظاهرة واضحة.. فاستمرارية القديم ما زالت كقاعدة قوية رغم التغييرات والادانات والاعدامات والدستور، وما تنطق به الصحافة والقيادات والاحزاب من كلام عن الحريات والديمقراطية وخدمة المواطن واحترام الشعب. فالاخلاق والسلوكيات القديمة ما زالت معياراً اساسياً لقياس السلوكيات والقيم السارية، وغيرها استثناء.. فتلك باتت قدوة –واعية وغير واعية- لطرائقنا الجارية.. ولسلوك الجماعات المتحررة حديثاً والتي تستعير ذات الاساليب التي استخدمت ضدها، عند تعاملها الراهن مع غيرها. وهكذا الامر مع جيراننا وفي رؤيتنا للاخر.. فالقيم القديمة انتقلت -في جوهرها- الى الكثير من مفاهيمنا وممارساتنا.. والاصح ان المفاهيم الجديدة المطلوبة للتحرر والاصلاح والمنسجمة مع الدستور والقيم السليمة لم تبنَ بعد.. ولم يبذل عليها الجهد المطلوب، لتأخذ مساحاتها ومكانها في النفوس والقيم والممارسة والسلوك. وما لم يفرض الجديد باخلاقياته ووسائله وغاياته نفسه فان القديم -بقهره واضطهاده ونتائجه- سيجدد نفسه ويحجز طريق الاصلاح والتقدم."