فالانسان الذي فقد الامل في تحقيق حاجاته الاساسية عن طريق النظام وفقد طموحات المستقبل سيتجه للتمرد والكسر والانتقام.. لن يستمع للمواعظ ولن تخيفه التهديدات. من هذه البيئة يبدأ العنف الفردي والجماعي.. لتزداد اتساعاً وانتشاراً كلما ازداد احساس شرائح جديدة بان النظام لا يخدمها في حاضرها.. ويغلق عليها افاق مستقبلها، لتكون النتيجة الثورة والعصيان.
كذلك عندما لا تجد الجماعات والحركات طريقاً قانونياً للانتظام والتعبير عن نفسها.. فالنظام المغلق الذي يمنع غيره ويخاف منهم، يتآمر في الحقيقة على نفسه. فالحركات الاخطر في اي مجتمع هي تلك التي لا يوجد شيء تدافع عنه سوى حرمانها وسجونها ومشانقها.
والامر نفسه بالنسبة للدول والامم التي يخنقها تمدد الاخرين -استعماراً او هيمنة- فتتجه نحو التمرد والثورة وتحطيم القواعد والموازين.
لذلك اتجهت الانظمة الذكية عبر نظم الرعاية والتربية للذهاب الى مطالب المواطنين والافراد بدل انتظارها لتتفجر امامها عنفاً، حيث لن تلوم سوى نفسها. وسعت -ايضاً- عبر النظم الديمقراطية والدستورية للمساواة والعدالة واطلاق الحقوق والمصالح المشروعة والتخطيط لتوسيعها.. لا انتظار الثورات والانتفاضات لتفرض واقعاً جديداً سيكون الحكام اول الخاسرين فيه. وتطورت العلاقات الدولية لتحتويها منظومات عالمية واقليمية وقواعد وقوانين ومحاكم ورأي عام وترقبات مستقبلية تبنى عبرها المصالح المشتركة، بدل ان تصبح الحروب والاستعمار والهيمنة والكراهية هي العناوين لعلاقات البشر.
الوقاية خير من العلاج.. واستباق النتائج او معرفة المآلات صار علماً واسلوباً في التفكير والتنظيم والادارة والتفقه يمنع الاضرار قبل وقوعها.. ويتنبىء للاحداث قبل تفاقمها، ويستعد للتطورات فيصنعها قبل ان تصنعه. لذلك تجاوزت اجراءات وسياسات الاستباق سياسات ردود الفعل والانتظار. صار النظر الى المستقبل والتعلم من الماضي حاسماً في اتخاذ القرارات.. فهل هذا جديد؟ ام كان هو اساس منطق النبوءات والرسالات؟"