لذلك انيطت مسؤولية السياسة المالية بوزارة المالية.. والسياسة النقدية بالبنك المركزي باعتباره بنك البنوك، وذلك حسب الدستور وقانون الادارة المالية والدين العام رقم ٩٥ (٢٠٠٤ المعدل) وقانون البنك المركزي رقم ٥٦ (٢٠٠٤ المعدل). ووضعت السياستان المالية والنقدية تحت رقابة واقرار البرلمان.. فالموازنة تعدها الحكومة وتناقش وتقر في البرلمان.. كذلك "لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى منها الا بقانون" (الدستور٢٨).. و"يكون البنك المركزي مسؤولاً امام مجلس النواب" (١٠٣).
فالعلاقة وثيقة بين السياسيتين المالية والنقدية، وبالفعل حدد قانون البنك (المادة٢٤) التشاور والتعاون "في اجتماعات دورية منتظمة مع مسئولي الحكومة لتبادل المعلومات والاراء عن مدى امكانية تنسيق السياسات النقدية والمالية"، بما في ذلك حضور المحافظ جلسات مجلس الوزراء ذات العلاقة. فالحكومة (وزارة المالية) تنفذ السياسة المالية بموجب القوانين والضوابط. بالمقابل حدد الدستور والقانون المسؤولية المباشرة للبنك عن السياسة النقدية. فعرفت صلاحياته بوضوح كما وضعت سلسلة من النواهي تمنع اي انتهاك لاستقلاليته باعتباره حافظ اصول الامة المالية وليس اموال الخزينة فقط. فمنحته –مثلاً- حق اصدار العملة ومنح الاجازات للمصارف ومراقبتها بما فيها الحكومية.. ومنع قانونه (المادة ٢٦) اقراض الحكومة.. درءاً من تحمل مديونيات الدولة التي هي سياسة شائعة بين الدول. فحمى قانون البنك اموال العراق وما زال يحميها من حجوزات الديون.. التي بلغت يوماً ١٤٠ مليار دولار بسبب السياسات الانفاقية الطائشة ورغبة الحكومات في وضع اليد على اصول البلاد المالية واحتياطياتها.. وان اي انتهاك لقاعدة استقلالية البنك ستعني بالضرورة احتمال سقوط تلك الاصول تحت طائلة الحجوزات.. ناهيك عن اضطراب اسعار صرفها وسلسلة التداعيات الخطيرة الملازمة لذلك وطنياً.
ودون اغفال السلبيات، لكن نجاح البنك المركزي -بالتعاون مع وزارة المالية- في تخفيض نسب التضخم لتستقر عند الارقام الاحادية.. وتخفيض الديون ومعدلات الفائدة واستقرار العملة وزيادة الاحتياطات من حالة سلبية الى ما يفوق ٦٠ مليار دولار، هي احدى ثمار استقلالية البنك والتمسك بالدستور والقوانين.. وان اي عبث او تجاوز على استقلالية البنك المركزي، وربطه بغير البرلمان، هو خطر ليس على البنك، فقط بل على البلاد ككل."