من هذا الوعي للتاريخ والواقع ومتطلبات المستقبل جاءت فتوى الامام السيستاني وبقية المراجع العظام وتأييد القوى السياسية والشعب العراقي، ان لا اولوية وشرعية وبداية قبل اقرار دستور دائم تعده جمعية وطنية منتخبة.. وهو ما انجز فعلاً رغم الظروف المعقدة والصعبة، خصوصاً بعد فرض الاحتلال. وبهذا ارسيت منطلقات بناء الدولة والنظام باسس جديدة.. فحسمت امور اساسية.. كتمثيلية الشعب والفلسفة التي يعتمدها ونمط العلاقات والمؤسسات. ورغم الكلام عن ثغرات الدستور، اصبح عندنا منجز سواء للتقدم او لتشخيص الاخطاء والانحرافات. فالجدل يمكنه ان يستمر الى ما لا نهاية، ليزداد الفراغ الذي سيملؤه بالضرورة الواقع المريض ومفاهيم ومؤسسات الماضي البالي.. بينما اقرار الدستور والانتخابات، وقيام المؤسسات، ولو الجنينية او المرتبكة او الشكلية، يعلن بداية، ويبني حقيقة. فالجدل لا يحمل اللقاح والاخصاب ولا يؤسس لشيء ملموس، بينما الدستور والانتخابات يزرع ولادة الشرعيات والحقوق ولو بالمخاضات والالام.. وينسج عروة وثقى يحتكم اليها ويحتج بها المناصرون والمخالفون. فصرنا نمتلك المستلزمات المادية والمعنوية -او نواتاتها- لتحقيق عناصر السلسلة الثمانية لنهضة الامم.. اي ١- الدولة المقتدرة.. و٢- النمو الاقتصادي.. و٣- التعبئة الاجتماعية.. و٤- الديمقراطية.. ٥- والشرعية.. ٦- ونظام الحقوق.. ٧- وسيادة القانون.. ٨- والعلاقات الخارجية.. وان ما يمنع من استكمال بناءاتها هو استمرارية بعض عقليات وبنى الماضي.. واستمرار المخاوف السياسية والمذهبية والقومية، التي تزداد حدة بين اونة واخرى، فتعرقل.
انجزنا مهاماً عظيمة وعلينا حسم امرنا بين معوقات النظرات الضيقة والقصيرة.. والانطلاق بالقضايا الكبرى والطموحات العظيمة.