بالمقابل اشتدت المعارك في شمال سوريا وحلب، ونجحت قوات من المعارضة السورية الاسلامية المعروفة بتوجهات قريبة من "الاخوان المسلمين" والمدعومة من تركيا بتعزيز مواقعها في مناطق عديدة، خصوصاً في ادلب وهذه اشارات حرب.. بالمقابل يشاور الوسيط الدولي ديمستورا في جنيف جميع الاطراف المحلية والخارجية التي لها علاقة بالنزاع السوري، عدا "النصرة" و"داعش"، تمهيداً للقاء موسع قد يعقد في حزيران او تموز القادم تحضره جميع الاطراف، بما في ذلك ايران، والتي لم تدع في اجتماعات جنيف ١ و٢.. وهذه اشارات سلام.
وفي العراق تستمر طائرات الحلف الدولي والقوات العراقية والحشد الشعبي والبيشمركة وقوات العشائر هجماتها على "داعش"، كما تسعى "داعش" للرد على ذلك بسلسلة هجمات قامت بها مؤخراً في بغداد ومناطق اخرى بالسيارات المفخخة، كما وسعت هجومها على مصفى بيجي.. وهذه كلها اشارات حرب.. بالمقابل تستمر العلاقات الوطنية في مجلس النواب وبين اطراف الحكومة في علاقات يسودها التفاهم استطاعت لحد الان تطويق الكثير من الضجيج الاعلامي، بل الكثير من المواقف الخلافية وهذه كلها اشارات سلام.
الحرب والسلام، كما كانا تاريخياً وكما هما اليوم، يحددهماالصراع في موازين القوى. وان التقسيم الحقيقي الذي تمر به المنطقة هو تغير موازين القوى. تاريخياً كان العامل المحلي هو الاساس.. ثم انتقل الى العامل الدولي حيث اصبحت المنطقة تحكمها بريطانيا وفرنسا في مرحلة ثم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في مرحلة اخرى.. واننا نشهد اليوم تطورات سريعة وعلى ثلاثة مستويات.. محلية وتتمثل بالقوى الداخلية في كل بلد والمتصارعة/ المتوافقةاما لاحتلال مواقع حرمت منها او للحفاظ على مواقع تحتلها.. وثانياً اقليمية اهمها ايران وتركيا والسعودية، دون قطيعة مطلقة فيما بينها، بل احياناً بعلاقات وحوارات ودية للدفاع عن حلفائها المحليين ولاكتساب مواقع قدرة وتأثير مع اصدقائها الدوليين.. وثالثاً القوى الدولية خصوصاً روسيا والصين من جهة وامريكا والغرب من جهة اخرى، الذين يتصارعون فيما بينهم او عبر حلفائهم الاقليميين والمحليين في ملفات، ويلتقون في اخرى فيما بينهم وعبر حلفائهم ايضاً.
فالمواقف متداخلة، خصوصاً عندما تلعب "اسرائيل" اوراقها، او عندما يستغل الارهاب هذه التداخلات والتناقضات ويجد لنفسه بيئة يستطيع العيش فيها، بل التطور من خلالها، واحياناً بدعم مباشر وغير مباشر من القوى المحلية والاقليمية والدولية.
تصورنا ان الحروب ستبقى محدودة ومسيطر عليها، دون ان يعني ذلك انها اقل كلفة ودماراً من الحروب الكبيرة الاقليمية والدولية.. وتصورنا ان افاق السلام القلق اقوى من افاق الحرب الواسعة، دون ان يعني ذلك اننا سنعيش سلاماً وأمناً مطلقين. ففي عالم يتطور بسرعة، وبقدرات هائلة، سيتلازم التقدم مع تغيرات سريعة في المواقع، او نوع من الفوضى والتشويش، حيث تتداخل مفاهميم الصداقة والعداوة وتتغير بسرعة، وهذا وغيره من قوانين تصحيح الاوضاع ومجاراتها.. وفي هذه التطورات ستنجح العقول القادرة على تفكيك الفوضى وفهمهما.. فلا اسود وابيض مطلق، بل اطياف متعددة متداخلة.. فلا صداقات مطلقة، ولا عداوات مطلقة، بل تدافع لاحتلاف مواقع القدرة والقوة، او لمنع الخروج منها.