ينقسم النزلاء المصريون بسجن سوسى الفيدرالي بمحافظة السليمانية، التابع لوزارة العدل العراقية، بشأن الأوضاع في بلادهم، بين موالٍ للرئيس حسني مبارك، وداعٍ إلى رحيله، فيما يحذر البعض الآخر، من دور "تخريبي" للامين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق محمد البرادعي.
ويعبر السجين هاني إبراهيم، الذي يشرف على ورشة الحدادة في سجن سوسى في حديث لـ"السومرية نيوز"، عن قلقه من التظاهرات، لانها برأيه "تشق وحدة صف الشعب المصري"، ما جعله ينحاز إلى النظام الحالي، ويقول "أنا مع مبارك لأنه وحد الشعب والوطن".
ويمضي إبراهيم قائلاً "منذ أن بدأت تلك الأحداث، لم ننم نحن النزلاء المصريين بسبب القلق على مصير مصر ودورها العربي والعالمي"، مضيفاً أن "المظاهرات أساءت لأبناء مصر".
أما السجين المصري الآخر إسماعيل محمد إبراهيم، وهو من أهالي الصعيد، فيوجه اتهامات للأجهزة الأمنية بقمع التظاهرات السلمية، مبيناً لـ"السومرية نيوز"، أن "تلك الأجهزة اخترقت التظاهرات لتقسيم الأهالي إلى فريقين متناحرين من اجل نقل الصراع إلى المتظاهرين داخل ساحة التحرير، بدلاً من أن تكون بين المتظاهرين والسلطة".
ويضيف "كلنا مع التغيير، كفاية ظلم، انظروا نحن هنا لم يزرنا مسؤول مصري ألسنا مصريين يا عالم؟"
ويضم سجن سوسى الفيدرالي، ١٧١٩ نزيلا معظمهم عراقيون، إضافة إلى ١٥٢ نزيلا من جنسيات سورية، وسعودية، ومغربية، ومصرية، وجزائرية، وتونسية، وأردنية، ويمنية، وفرنسية، ومعظمهم محكومون بالسجن مدداً تتراوح بين ٦ إلى ١٥ سنة بتهم تتعلق بتجاوز الحدود، وتزوير الأموال.
من جهته، يقول مدير سجن سوسى الفدرالي العقيد مؤمن خضر، لـ"السومرية نيوز"، انه "بحسب منظمات حقوقية ومدنية تزور السجن باستمرار، يعد سجن سوسى من أفضل السجون العراقية"، على حد قوله، مضيفاً "أن إدارة السجن فتحت المجال أمام السجناء للتواصل مع ذويهم هاتفياً خلال الأعياد، وهناك اتصالات جرت بين النزلاء المصريين وعوائلهم بسبب الأوضاع الراهنة في مصر".
ويؤكد خضر أن "المصريين محبون للعمل، وهم الأكثر كفاءة في ورش الميكانيك والحدادة، حيث سلمنا مسؤولية ورشة الحدادة إلى احدهم، وهم مسالمون فيما بينهم على الرغم من اختلاف الآراء فيما بينهم إلا أننا لم نسجل إي حالة سلبية خلال نقاشاتهم اليومية".
بدوره يعتقد السجين المصري حسن علي عبد المجيد، من أهالي الإسكندرية، أن "البرادعي يريد تدمير مصر، مثلما هيأ لتدمير العراق".
ويضيف في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "البرادعي حيث حل، يحل الخراب، وعلى شباب مصر أن يفكروا ببرنامج هذا الرجل ويرفعوا أصواتهم ضده لأن سياسته لا تؤمّن لمصر الخير، ولا لأبنائها الأمن والعمل والاستقرار".
ويقسم السجين فريد احمد محمد من أهالي الفيوم، "والله سيندم الشعب على هذا الخراب الذي حصل في البلاد"، ليقاطعه السجين هاني إبراهيم بقوله إن "الأوضاع في بلدنا لم تفرقنا في السجن"، ليختتم السجين إسماعيل محمد إبراهيم بالقول "نحن المصريين يداً واحدة في الشدة".
وتشهد العديد من المحافظات المصرية، منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي، تظاهرات حاشدة يشارك فيها مئات الآلاف من المواطنين، وسط هتافات تطالب برحيل الرئيس المصري حسني مبارك، وما زاد من احتجاج هؤلاء أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك عوضا عن التنحي اعلن في خطاب بثه التلفزيون المصري، أمس الخميس، إنه سيبقى في منصبه حتى يتم اختيار خلف له في شهر أيلول المقبل، على نقيض توقعات محلية ودولية بإعلانه التنحي، كما فوض مبارك نائبه عمر سليمان اختصاصاته بمقتضى الدستور، قائلا أنه سيستجيب لمطالب الشعب المصري، وسيعمل على نقل السلطة بالسبل الديمقراطية بعد انتهاء ولايته في شهر أيلول المقبل.
كما أعرب الرئيس مبارك عن أسفه العميق لأرواح الشباب التي ازهقت في الأحداث الأخيرة، مؤكدا أنه أمر بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها، وأضاف أنه سيلغي قانون الطوارئ فور استعادة النظام في البلاد، مؤكدا أنه لم يسع يوما ما من أجل سلطة أو منصب وأنه يرفض الاستجابة لأي ضغوط أجنبية.
وكانت التكهنات التي تداولتها وسائل الاعلام قبيل إلقاء الخطاب تفيد بان الرئيس المصري سيعلن تنحيه عن السلطة ونقل سلطاته بالكامل الى نائبه عمر سليمان.
وأثار خطاب الرئيس المصري غضب الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير في وسط القاهرة وألقى بعض المتظاهرين بالأحذية على الشاشة التي كانت تنقل الخطاب، و طالب آخرون الجيش بالانضمام اليهم في احتجاجاتهم.
فيما قال بيان ثاني للمجلس العسكري الأعلى في مصر أن الجيش سيضمن إنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية، والفصل في الطعون الانتخابية، وما يلي بشأنها من اجراءات، واجراء التعديلات التشريعية اللازمة، واجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، في ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية".
وكان المجلس قد أصدر الخميس بيانه الاول الذي قال فيه ان المجلس بات "في حال انعقاد دائم لبحث ما يمكن اتخاذه من اجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات شعب مصر".
واستلهمت تلك التظاهرات أحداث الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وطالبت بتنحي مبارك الذي يتعرض منذ سنوات للانتقادات بسبب إبقائه على قانون الطوارئ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو القانون الذي أعلنه عام ١٩٨١ بعدما اغتال إسلاميون الرئيس السابق أنور السادات. كما استلهم عراقيون من التظاهرات المصرية في تظاهرات باتت تشهدها مختلف المناطق العراقية منذ أكثر من أسبوع.
يذكر أن سجن سوسى التابع لوزارة العدل العراقية يعتبر أول سجن فيدرالي عراقي، ويقع في منطقة طاسلوجة (٢٠ كم غرب السليمانية) تحيطه من الشرق جبال بيرمكرون، ومن الجنوب قيادة قوات البيشمركة، ويدير السجن عراقيون بعد أن كان يدار من قبل القوات الأمريكية في الفترة الماضية.
وكان السجن في الأساس قلعة عسكرية بنيت في الثمانينيات من القرن الماضي لتدريب الجيش العراقي، ولجمع المعلومات العسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت قرابة ٨ سنوات (أيلول ١٩٨٠- اب ١٩٨٨). كما استخدمت القلعة لاحقاً مركزا لجمع المعتقلين من سكان القرى في اقليم كردستان، قبل ارسالهم الى مصيرهم المجهول في قلعة النقرة سلمان غرب العراق، في اثناء حملات الانفال التي نفذها الجيش العراقي ضد المدنيين الكرد.