لا زلت هنا على خطوط النار والمواجهه.. هكذا بدأ الدكتور يوسف السعيدي كتلة لهب تتدحرج فوق الرؤوس الخاويه لتحرق كل الأقنعة وتأكل الوجوه التي تمتهن الزيف والعبوس أمام الحقيقة.
بدايته كانت مختلفة تماماً عن كل ما درج عليه محيطه الضيق في مجتمعٍ تعود اليافعون فيه المشي على خطى من سبقهم في متتالية من "الاستنساخ" لا تنتهي..... ويزيدها في ذلك رضوخٌ تام لدى أفراد الجوقة ... وكأنها "نهاية التاريخ"...... وأقصى ما وصل إليه الفكر البشري في التنظيم الاجتماعي!!
كانت مختلفة لأنه رفض الانضمام إلى الجوقة ....رغم أن جميع أطراف المتتالية تخدمه أكثر من غيره...... فكان بإمكانه ركوب الأكتاف التي تعودت أن تستقبل بفخر اقرانه وزملاءه ...، فيبني صرحاً يناجي من خلاله.... ويستقبل المد الإلهي فيكون صاحب سرٍ رباني يوزعه على الأتباع أدعيةً.... ويودعه في جيبه أموالاً وقصورا منيفة..
تلك هي الجوقة الأولى التي اعتزلها الدكتور يوسف السعيدي والتي يغبطه عليها الكثيرون، وهم لا يدركون أن بداخله مخلبا ينموا ليكشف المستور في مجتمع يملك حقلاً هائلاً من الخطوط الحمراء المتجددة بتجدد خطايا المتعالين في قمة الهرم تاركين القاعدة لا تملك حيزاً تتحرك فيه دون الوقوع في "المحذور" والمساس بجناب زيد أو حضرة عمر فكان قدرها أن تعيش بلا ألسنٍ..!
أما الدكتور السعيدي فكان غير ذلك حيث تطاول بقلمه الذي لا يملك غيره على "الجناب الطاهر" لسكنة رأس الهرم، فأيقظ الزبانية من غفوتهم فتجمهروا واحتشدوا ليجدوا أنفسهم أمام رجل لا يلقي لهم أي بال، يكتب كلاماً سريعاً ثم ينام ملء جفونه ويتركهم يتلقفون ملامحهم الغائبة عنهم في المرآة التي وضعت أمامهم..
*** *** ***
توهج قلم الدكتور يوسف السعيدي بالنار واللهب في ظل مركزية شاملة ومطلقة للسلطة في قبضة الدكتاتور الدموي... حين تهافت البعض إليه طمعاً في رحمته وخوفا من غضبته، فهاجرت الأقلام إليه واشرأبت أعناقها الدقيقة عند بابه بينما بقي الدكتور السعيدي يزرع بقع النور في زوايا المستور لبلد تعددت الجرائم فيه والضحية واحدة:
شعبٌ يأكل التراب والحصى على الطوى ليس إيثاراً وإنما لأن شرذمة من ذوي البطون المنتفخة والجيوب المخملية الواسعة أرادت أن تسد جوعها الصحراوي إلى المال العام فكانت وجبتها مقدرات أمة ومدخرات شعبْ!!
شعبٌ مظلومٌ من طرف فئة قليلة من أساطين الظلم والفساد، تغتال القانون وتغتصب الدستور..
شعبٌ يظلم نفسه فيمتهن بعضه بعضاً عبوديةً وطبقيةً جائرة، يتعامل فيما بينه على أساسٍ من "الطين"، وتسود نفسيته صبغة "لونٍ" واهية!!
شعبٌ تٌملأ آذانه بالكلام الجميل والوعود أيام الحملات الانتخابيه لِيٌدفع إلى صناديق اقتراعٍ لا يريد منها سوى أن تسد جوعه، وما إن تنتهي المهمة حتى يٌسد فمه بخرقٍ بالية.. ويصرخ في أذنه: صه!!
لا يمكن لقلمٍ تعود عدم الرضوخ لصولة القوي عندما تجافيه الحقيقة أن يلتزم الصمتَ فيبدل صرخة الحبر السحرية بوصمة عارٍ لا تفارقه أبداً، ويكون "مثقفا" كالذين عرفناهم يتاجرون بأقلامهم وضمائرهم فيكنسون بها بلاط السلطان بحثا عن بعض الفتات.
ليس غريباً في بلدٍ يستباح فيه القانون ويهتك عرض الدستور ويقتل فيه الصحفي ضحى ..أن تسعى آلة الفساد في تهشيم المصباح الذي يفضح ممارساتها، خاصة عندما ركب الدكتور السعيدي المد التكنولوجي مدركا للدور الرقابي الذي لعبه الإعلام الالكتروني في كثير من مناطق العالم، والدور الذي بالامكان أن يقوم به في وطن يعتبر المعلومة بنت الظلام فلا يجب أبداً أن تخرج إلى النور ولو دعى ذلك إلى كسر كل الأقلام..!
ولكن هيهات أن يكسروا قلم السعيدي الذي عهدناه عصياً على الانكسار والترويض لأنه قلمٌ من نور، فمن أين لكائن من ظلام أن ينال من ضوء الشمس!!!
*** *** ***
إني أتهجى في قلم السعيدي أروع مقالة يسطرها ضد المخالفين للنهج الوطني والخائفين غير المدركين أن أبناء الكلمة ليسوا كأدعيائها،
- المرشح الذي كنت أحترم فيه شيئا فتلك النسبة التي حصل عليها من الأصوات في الانتخابات الماضية والتي أراهن أنها مارست الهجرة بعيدة عنه بعد أن أذلها بأعماله المشينة والتي تتنافى مع تاريخه والشعارات التي يعبئ بها آذان جماهيره عندما يرتجف متصنعا الانفعال أمام الميكرفون وهو يتوعد المناضلين الحقيقيين عندما سحبوا عنه الغطاء..
"صار" المصاب بالخرف السياسي يرتاح لابعاد الصحفيين ومصادرة الرأي وحرية الكتابة، أولى به أن يتدارك خاتمته قبل أن تزداد سوءاً..!
- فلان الذي تؤكد لنا الأيام أنه الأرعن بامتياز، نصب نفسه قيما على الاخرين وهو فوق جميع التنازلات وليذهب الوطن إلى الجحيم!
يتجول في القرى والارياف والمضايف ..يجر معه كبرياءه وغروره حين تسابقت للقائه علية القوم ووجهاء القرى متخلية عن كل هيبتها وكثير من خيلائها، فلم تجد عنده من وقت سوى دقائق سريعة لم ينبس فيها ببنت شفة، وكأن القوم جدعت آذانهم أو أن بها وقرا ....
وها هي الأيام تبدي لنا أن قلم الدكتور يوسف السعيدي أكبر من مقاطعة واحدة، إنه قلم بحجم وطن ولن يتخلى عنه الوطن الذي أسال الأودية حبراً دفاعا عنه.. لن يتخلى عنه...ولله في خلقه شؤون ..