دخلت قضية كركوك مجددا في دائرة التجاذبات السياسية بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية في كركوك مما اعاد الاشكالية بين المركز والحكومة المحلية الى صدارة الوضع السياسي حيث رفضت الحكومة المحلية قرار مجلس النواب العراقي القاضي بعدم قانونية وشرعية رفع العلم الكردي على المحافظة وعلى مؤسساتها مما افضى بالنتيجة الى فتح ملف الخلافات مجددا ودفع الكتل الكردية الى الانسحاب من البرلمان وتعليق عضويتها كما فتح ايضا باب الخلافات حول تصدر نفط منطقة كردستان العراق وعوائده وبالتالي بات الوضع العراقي امام تداعيات جديدة يجب قراءاتها وفق اقتراب تحرير الموصل والاستحقاقات القادمة لمرحلة مابعد داعش .
لقد اعاد قرار محافظ كركوك رفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي فوق المؤسسات الرسمية، الخلاف بين الأكراد والعرب حول المدينة إلى الواجهة، بعد أسابيع على اشتباكات بين أحزاب الإقليم لفرض السيطرة على حقول النفط في المحافظة .
وأعلن عرب وتركمان كركوك رفض الخطوة، معتبرين أنها تساهم في خلق الفتنة في المدينة المختلطة، وطالبوا الحكومة الاتحادية بالتدخل، مما دفع البرلمان للتدخل واقر رفع العلم العراقي وحده لان المرحلة تقتضي الابقاء على الوضع الراهن دون افتعال قضايا غير مبررة لخلق مشاكل واختلاق فتن داخلية .
في هذا الوقت تدخل رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني ليجدد دعوته بخصوص مااسماه بحق تقرير المصير والسيادة على كردستان، متجنباً الإشارة إلى الدعوة إلى الانفصال عن العراق في شكل صريح. وتأتي هذه التطورات في كركوك بعد أسابيع من خلافات وصلت إلى حد الاشتباك بين حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال طالباني، و الديموقراطي الكردستاني، بزعامة بارزاني على نفط كركوك.
أن طرح الخلاف بخصوص كركوك وعائدات نفط الاقليم التي تذهب الى جيوب الطبقة الحزبية حتى على حساب المواطن الكوردي هي قضايا حساسة كما ان توقيتها في هذه المرحلة ومع اقتراب حسم قضية داعش وتحرير الموصل ومع اقتراب الانتخابات العراقية كلها تشكل رؤية سياسية معينة تقود بالمحصلة الى القول بان هناك جهات كوردية تسعى الى فرض حسابات معينة قبل ان تتفرغ الحكومة المركزية من مشاكلها الحالية وبالخصوص التفرغ لاستئصال تنظيم داعش من الجغرافية العراقية .
يجب ان تاخذ الجهات الكردية بنظر الاعتبار الخصوصية التي تتمتع بها محافظة كركوك حيث ان رفع العلم الكردي ياتي خلافا للوضع السائد في العراق الذي هو وضع حساس ويفترض الابتعاد عن الأمور التي تثير المشاكل , والعراق على أعتاب نصر على تنظيم داعش، ومجلس النواب العراقي هو نموذج دستوري يجب التعاطي معه ولو في هذه المرحلة على الاقل كي لايذهب الكورد الى خارج الفضاء السياسي , خاصة وان وضع كركوك محكوم بمنظومة داخلية واقليمية ودولية مما يجعل من الصعب الاحتكام الى منطق جهة معينة على حساب الواقع القائم وعلى حساب وضع معقد لهذه المحافظة مما يخلق ازمة ثقة داخلية وربما يطيح بمكاسب معينة كانت قد تحققت لذلك الحزب او تلك الجهة كما يمكن القول ان مايجري من دعوات لضم كركوك لاقليم كردستان العراق تبقى غير واقعية بلحاظ انه خلاف الواقع الديموغرافي لعام ١٩٥٤ وبخلاف الدستور العراقي وبخلاف عناصر الواقع السياسي المرسوم والمطلوب في ان واحد مما يفرض معالجة اساسية بعيدا عن الاطر الطائفية والقومية وتحكيم بل وتغليب الهوية الوطنية على بقية العناوين والاطر الاخرى غير المجدية والتي تعني الدخول في حرب داخلية يكون الجميع في مورد الخسارة والدمار .