ربما أكثر عباءة عُلقت بها أخفاقات غير صاحبها, هي عباءة السيد عبد العزيز الحكيم.. يقول بريمر في مذكراته ما مضمونه: عند تأسيس نواة الجيش العراقي الجديد حرصت على أن يكون أحد الأمراء من الشيعة. يعلل بريمر هذا الحرص بقوله: تجنباً لمعارضة عبد العزيز الحكيم الشديدة ومطالباته بكسر المعادلة الظالمة في الجيش.
لا شك أنّ بريمر فهم ذلك الموقف بسياق غير مرتبط بهيكلية الدولة وبنيتها الإجتماعية؛ إنما أراد إيصال رسالة مفادها طائفية الحكيم وتعصّبه لشيعيته, بينما ما حرص عليه الحكيم, هو معالجة الخلل الطائفي في الدولة العراقية, لا سيما الجيش العراقي.. ذلك الخلل لا ينكره سوى مبغض لعراق خالٍ من الديكتاتورية.
الضابط الشيعي الذي صار آمراً لأحد الأفواج, لم يكن على معرفة بالحكيم, وحادثته تكشف إرادة أمتلكها الحكيم لكسر المعادلة الطائفية التي سادت العراق الجمهوري.. هي ليست نقطة الضوء, غير أنه المثال الحي على طريقة التفكير التي مضى عليها الراحل, فالحلول التي كان يؤسسها بشكل مشاريع كبيرة, ليست خطابات تصاغ بقلمٍ ماهر؛ إنما قدرة فريدة على تشخيص الخلل والمشكلة, والتفرّد بصناعة التركيبة العلاجية الناجعة. حلول الحكيم من نفس جنس المشكلة, لذلك فمشكلة ٢٠٠٦ وما بعدها لا يمكن علاجها بضابط شيعي أو سني يمثّل رمزية للتوازن في مؤسسات الدولة؛ إنما المشكلة تكوّنت من عناصر أخرى منتجة معقد بحاجة لعقلية ثاقبة وشجاعة نادرة تطرح الحل أمام الناس بلا خشية من لوم أو عتب أو إستهداف.. فكان حينها "إقليم وسط وجنوب العراق".. هو ليس تمزيقاً للعراق, كما روّج آنذاك بعض من طالب بهذا الإقليم لاحقاً, ولعل ذلك الإعتراض ثم التبدّل إلى التثقيف للمشروع الضائع, يكشف الفارق بين العقلية الفاعلة ونقيضتها المنفعلة.. الأولى مهندسة, تركب وتحلل وتخرج بالبرهان والبناء الصحيح, والثانية ضاجة شاكية وباكية, أدمنت حديث المظلومية ونظرية المؤامرة دون أن تقدّم صيغة لبناء دولة.
ذلك المثال الكبير, فيدرالية الوسط والجنوب, إنتهى موعده بعد تمكّن المشكلة من الدولة, ولم يعد صالحاً عندما طالب به الغالبية, فكان لا بدّ من حلول أخرى.. هنا لا نريد بحث الحلول, بل لنقف في ذكرى الحكيم على فكره وممارسته التي لو مُكّنت لكان عراق جديد.. فذهابه للبند السابع, أو اللجان الشعبية, كانت قراءات العارف الحكيم بتفاصيل ما ستؤول إليه الأوضاع. بهذا العمق الفكري والنضال السياسي الصادق كانت تقدّم الحلول, وشاهدنا كيف قوبلت بالتخوين والإتهام والشعارات التي تجلب الكرى لعيون النيام على تراب الوطن الملتهب..
يقول أبن زريق البغدادي: رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته.. وكل من لا يسوس الملك يخلعه..
من لم يحسن سياسة الدولة اليوم, لن يخلع ملكاً؛ إنما يساهم في الكوارث التي تحصل, وما فاد حديث الأنبطاح.. فالدولة بحاجة لحكمة وحكيم..