قد تكون الأزمات مفيدة ، لأنها تكشف عيوب العملية السياسية ، الأزمة الحالية كشفت تخلفا واضحا في عنصر (الشراكة) مفهوما ومصداقا ، الجميع ينادي بالشراكة بدون تقديم فهم علمي لها . ظاهريا معناها مشاركة جميع الاحزاب في العملية السياسية بثنائية دقيقة بين عامل الانتخابات وعامل التوافق وان تناقضا ، التوافق الايجابي لا يلغي الحقائق الانتخابية بل يماشيها وينجح عندما يجري بين قوم كل منهم يفهم حجمه الحقيقي ويعرف قدر نفسه ، من يفترض لنفسه حجما اكبر مما في الواقع فلن يعترف به الآخرون ، سيكون في التفسير الاخلاقي متكبرا ، وفي التفسير الاحصائي جاهلا ، وحين يتعامل معه الشركاء بالحجم الذي يرونه يحدث لديه شعور بالمظلومية فتقع الواقعة . (الحجم السياسي) مفهوم معقد لذا يحدث فرق بين التقييم الذاتي له والتقييم الموضوعي ، التفوق العددي ليس هو المعيار الاوحد في الحجم السياسي لأن قيمة العدد تتناقص عندما تقترب الكتل من التساوي العددي وتغيب القوة الساحقة ، وهنا يحاول كل حزب ان يطور حضوره الشعبي بوسائل جديدة ، فمنهم من يلجأ الى اثارة التعاطف (الكسب الاستجدائي) ، ومنهم من يعتمد رصيده من القوة الرادعة ويوظفه اعلاميا ، يمتلك مسلحين ومليشيات سرية او علنية قادرة على ارباك الأمن وتحويل الحياة الى جحيم (الكسب بالقوة ) ، ومنهم من يعتمد الدعم السياسي والمالي الخارجي الدولي او الاقليمي فهو ليس صاحب اغلبية انتخابية ولا يملك قوة ردع لكنه يمثل (شرطي اللعبة) ، بدلة وربطة عنق واضواء ساطعة وتصريحات دائمة ، يحل ويربط مطوقا بهالة غامضة من الاهتمام . بين من يملك قوة رادعة ، ومن يملك التفوق العددي ، ومن يملك الدعم الخارجي ، لعبة شراكة قلقة ومؤقتة ، البقاء فيها لمن يملك التفوق العددي النوعي ويراهن على الجمهور ، مسيرة الديمقراطية في العالم هي مسيرة عددية ، النقاش يدور حول : من يستطيع التحشيد ؟ (التحشيد) مفهوم خطير وله انواع ، هناك (حشد طائفي) يجتمع حول من يستطيعون ان يقنعوه بأنهم حراس الطائفة ، وهو حشد خائف اولويته الأمن ، و(حشد غوغائي) حائر ضال مستعد ان يجند نفسه لكل دعوة وكل شعار وهو اسوأ انواع الجمهور ، ينعقون مع كل ناعق ، سريع التجمع سريع التفرق ، و(حشد مطلبي) يبحث عمن ينفذ له مطالبه المشروعة وهو الجمهور الاكثر نضجا ، وهو معيار التفوق فمن ملك مليون صوت من هذا النوع المتطور اغنته عن عشرة ملايين من النوعين اعلاه ، بعض الأحزاب تستطيع ان تعجن خلطتها السحرية لتحقيق التفوق الذي يضمن شراكة مستقرة ، تتكون الخلطة من العناصر الآتية : (معرفة الحجم الواقعي للذات ، تحقيق الاغلبية ، امتلاك قوة ردع ، الاستعانة بدعم دولي او اقليمي بلا تبعية ، تحقيق حشد ثلاثي : جمهور مطلبي ، جمهور طائفي ، جمهور غوغائي) ، هذا الجهد التنظيمي المعرفي الميداني يصنع احزابا حقيقية ، يحترمها الشريك خوفا وطمعا ، وتؤسس لفضيلة (العدالة) في توزيع المكاسب ، وهي جوهر الشراكة الناجحة .