وإذا كان الصراع والتنافس السياسي ضمن الأطر القانونية والدستورية أمراً مشروعاً وطبيعياً في ظل النظام الديمقراطي، فأنه متى ما انسحبت آثار ذلك الصراع والتنافس وانعكست سلباً على احتياجات ومصالح ومتطلبات أبناء الشعب، فحينذاك لابُدَّ من إجراء المراجعة وإعادة النظر، من اجل تصحيح المسارات الخاطئة.
ولعلّ مختلف المكونات السياسيّة والاجتماعيّة تتفق على أنّ التجاذبات والتقاطعات والاحتقانات السياسيّة المزمنة والمتواصلة أثرت إلى حدٍ كبير على الواقع الأمني والخدمي والحياتي والاقتصادي على كُلّ أبناء الشعب العراقي بلا استثناء وان كان ذلك التأثير بنسب متفاوتة.
ففي مقابل استمرار الكتل السياسية في الدوران بحلقة مفرغة من الخلافات والاختلافات السياسية حول كلّ شيء فيه مكاسب خاصة لا مكاسب وانجازات عامة، يستمر التلكؤ في إقرار وتنفيذ القوانين التي تعود بالنفع على أبناء الشعب، لاسيما الفئات والشرائح المحرومة والمتضررة، وهذا التلكؤ لا تتحمله جهة دون أخرى، إذ أنّ مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية _ الرقابية، والحكومة باعتبارها السلطة التنفيذية مسئولتان عن ذلك.
فضحايا الإرهاب والمهجرين وفئات وشرائح أخرى مازالت تعاني قدراً كبيراً من الإهمال وعدم الالتفات إلى معاناتها الكبيرة.
كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، انتقدت في مناسبات عديدة التلكؤ الحكومي والبرلماني في تفعيل وتنفيذ القانون المتعلق بتعويض ضحايا الإرهاب والمهجرين، ولاشك أنّ مثل هذا الانتقادات تبدو موضوعيّة إلى حدٍ كبير، وهو انعكاس أو صدى لأصوات كثيرة من هاتين الشريحتين الكبيرتين، فمن المعروف إن أعداداً هائلة من العراقيين وقعوا فريسة الإرهاب الهمجي التكفيري والصدامي، ومنهم من فقد حياته ومنهم من أُرغم على ترك منزله، وخسرَ ما أفنى سنين طويلة من عمره للحصول عليه كالمنزل والعمل، ومنهم من تم تهجيره قسراً من مدينته أو منطقته، ولاشك ان العمليات الإرهابيّة المختلفة، سواء التفجيرات أو التهجير والقتل على الهوية، خلفت آثار مادية ونفسية ومعنوية كبيرة، ناهيك عن إنها فتحت ملفات أخرى أُضيفت إلى ملفات المشاكل والأزمات العديدة، الأمر الذي وضع الدّولة بمفاصلها المختلفة أمام مسؤولية إضافيّة والتزام كبير حيال عدد غير قليل من أبناء الشعب.
إنّ إغلاق ملفات الإرهاب لا يتم من خلال تجفيف منابعه فقط وتحسين أداء الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية فحسب، وإنما يستلزم الإسراع بتعويض ضحايا الإرهاب مادياً ومعنوياً، وتهيئة الظروف والأوضاع المناسبة لعودة المهجرين ومنحهم الحقوق التي يستحقونها والتقليل من الإجراءات والسياقات البيروقراطية والروتينية المتعبة والمملة في المؤسسات المعنية بمتابعة وحسم قضايا ضحايا الإرهاب والمهجرين.
ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال القبول بالواقع القائم الذي تهيمن فيه الخلافات السياسية الضيقة، وتغيب عنه مشاكل وهموم أبناء الشعب من قائمة الاهتمامات والأولويات.
وقبل ذلك كله، لا يمكن أنّ نغلق ملف الإرهاب بالكامل إذا بقي ساسة البلد وقادته يتصرفون بهذا الشكل من انعدام المسؤولية وإهمال كلّ شيء يتعلق بالشعب وأوضاعه واحتياجاته.