بيد ان النظرة الموضوعية لما طرح، بعيدا عن التشنجات والانفعالات المنطلقة من حسابات سياسية –حزبية ضيقة، تؤكد ان الملاحظات والمؤاخذات والتحفظات والاعتراضات على الزيارة كانت في محلها، ان لم يكن بالكامل، فبمقدار كبير جدا.
ومن بين الملاحظات والمؤاخذات والتحفظات والاعتراضات على زيارة النجيفي الى قطر:
-ان قطر كشفت خلال البضعة شهور الماضية عن توجهات سياسية خطيرة حيال العراق، وخصوصا عندما تصاعدت حدة الازمة بين بعض الفرقاء السياسيين، وساهم اصطفافها الى جانب بعض الاطراف في صب المزيد من الزيت على النار، ولم يكن خافيا على الكثيرين انها تبنت بقوة مع تركيا واطراف اقليمية اخرى اسقاط الحكومة الحالية من منطلقات طائفية، وانها حرضت الاكراد على بغداد، وانها دعمت المتظاهرين في المناطق الغربية، لا من اجل تحقيق مطالبهم المشروعة، ولكن لاضعاف الحكومة ومن ثم اسقاطها، كما فعلت في تعاطيها مع الملف السوري.
-بحسب ما تم تداوله في وسائل الاعلام والمحافل السياسية، ان زيارة النجيفي لقطر لم تكن بناء على دعوة رسمية وجهت له من قبل الحكومة القطرية او من قبل نظيره القطري، وانما بناء على دعوة من قناة الجزيرة لتسجيل حوار ضمن برنامج "بلا حدود"، وبالفعل تم بث البرنامج مساء يوم الخميس الماضي، الرابع عشر من شهر شباط-فبراير الجاري، وهنا يرى البعض-وربما الكثيرين-ان ذهاب عضو برلمان عادي، او مسؤول بمستوى معين الى اية دولة من اجل التحدث عبر قناة تلفزيونية ما امر طبيعي، لكن ان يذهب شخص يشغل موقعا متقدما في الدولة، من خلال ترؤسه احدى السلطات العليا الثلاث، فهذا غير مقبول ولامستساغ.
ولعله "كان الاولى –كما قال احد الساسة-ان تأتي قناة الجزيرة الى بغداد لاجراء الحوار مع النجيفي لا ان يذهب هو بعنوانه الرسمي الى هناك" كما يذهب اي شخص لاعنوان رسمي له يسعى الى الاقامة في فندق خمس نجوم، والحصول على مبلغ مناسب من المال.
-واكثر من ذلك فأن النجيفي تحدث لقناة الجزيرة بأسلوب فيه من التحريض وقلب الحقائق والتهجم على الدولة الشيء الكثير، مما لايتناسب ولاينسجم مع الموقع المتقدم الذي يشغله، ومن بين ما قاله في برنامج "بلا حدود"... "ان هناك احباطاً سُنّياً في العراق، واذا لم يعالج سريعاً، فقد يفكر السنة بالانفصال أو على الأقل تأسيس اقليم، وان سُنّة العراق يشعرون بالتهميش وبأنهم مواطنون من الدرجة الثانية".
ودعا الى "تحديد طائفة كل عراقي في التعداد السكاني المقبل، لاعادة التوازن المفقود في البلاد، حيث ان نسبة الشيعة والسُنة متعادلة في العراق، وربما يكون عدد السُنة أكثر"!
واتهم النجيفي رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه "ينتهج نهجا ديكتاتوريا".
واعتبر "ان نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي قد تعرض لظلم كبير"، علما ان عناصر من افراد حمايته ومنتسبي مكتبه اعترفوا بضلوعه بتنفيذ عمليات ارهابية عديدة.
وتحدث رئيس مجلس النواب كثيرا، ولم يقترب في حديثه من منهج التهدئة والسعي لاحتواء الازمات والحؤول دون اتساع نطاقها.
ومن قال بأن تصريحات النجيفي "حملت نبرة طائفية مقيتة ورغبات فئوية مأجوجة، فضلا عن تناغمها مع أجندات دول خارجية واقليمية وأطراف محلية تسعى الى تفتيت وحدة العراق أرضا وشعبا" كان مصيبا الى حد كبير.
ومن قال "ان كلام النجيفي في البرنامج الحواري يتماها مع مشروع خبيث يهدف الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات على أساس مذهبي وعرقي"، لم يبالغ ولم يهول كثيرا.
وتجدر الاشارة الى ان رئيس مجلس النواب كان قد ادلى بتصريحات مشابهة لما قاله عبر قناة الجزيرة خلال زيارته للولايات المتحدة الاميركية في صيف عام ٢٠١١
-زيارة النجيفي لقطر وماتحدث به لـ"الجزيرة" جاء في خضم تصاعد تفاعلات احداث المحافظات الغربية، حيث الخطاب الطائفي المتشنج لبعض الشخصيات السياسية والدينية السنية، والدعوات للموظفين الحكوميين بكل المستويات في الرمادي بترك دوائرهم، والا فأنهم سيتعرضون للعقاب، والمطالبة بأسقاط الحكومة، والتلويح بأعلان الاقليم السني، اضافة الى تصاعد العنف والارهاب من خلال سلسلة العمليات الارهابية التي وقعت في العاصمة بغداد يوم امس الاحد، والتي اعلن مايسمى بـ"دولة العراق الاسلامية" التابع لتنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، في بيان له قال فيه ان هدفه "الثأر من الجرائم المرتكبة من الحكومة التي يترأسها الشيعة".
ومن دون شك فأن أي خطاب ذو منحى تصعيدي وتحريضي لابد ان تكون له انعكاسات واثار سلبية على الاوضاع السياسية والامنية في البلاد، ومن غير الممكن قراءة ابعاد ودلالات سلسلة العمليات الارهابية والاغتيالات التي طالت مؤخرا مسؤولين في الدولة ورجال دين بمعزل عن مايطرح من خطاب تأزيم في تجمعات المتظاهرين وعبر شاشات بعض القنوات الفضائية والمنابر السياسية، ولاجدال ان تحرك النجيفي الاخير وكلامه يأتي ضمن خطاب التأزيم الذي في حال استمراره سيدفع الى المزيد من التدهور والتفكك والتشضي، وتضييع أي فرص متاحة لتحقيق انفراجات والتوصل الى حلول.
١٨-فبراير-٢٠١٣