الإسلام دين السماحة والعفو والرحمة والعدالة وما دون ذلك من حقد وإحن وتقتيل وتكفير هو لا محالة على النقيض من أحكام الإسلام الحضارية، ولا تزال المواقف التي تبدر من الأشخاص هي التي تحدد كينونتها، وطالما طرقت مسامعنا أنه أعرف الحق تعرف أهله، فمن ظهرت القيم والفضيلة والحق على سلوكه فهو على حق ومن طفحت الجاهلية والفساد والباطل في قوله وسلوكه فهو على باطل، هذا هو مقياسنا في قبول الحق والباطل بعيدا عن الأسماء والمسميات وبعيدا عن أساليب التضليل والخداع والإعلام المضلل وبعيدا عن القوميات والإتجاهات والميول والإصطفافات، فظاهرة الحق أسمى من ذلك وإن تشخيصه بات من ضروريات الدين لإنارة الطريق في مدلهمات الخطوب التي تحوطنا من كل حدب وصوب في عالم يغص بأهل الباطل وطلاب الحق فيه قليلون ولكنهم مشخصون لمن يطلب الحقيقة.
وعندما نتصفح التاريخ نجد بعض النماذج لها ما يماثلها في وقتنا الحاضر، فالمناوؤن حينما لم يجدوا أية منقصة في الإمام علي عليه السلام لسابقته وعلمه وفضله تراهم يتهمونه بالدعابة، وأحفادهم اليوم عندما لم يجدوا في المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) أي عيب فاتهموه بأوصاف هم أولى بها منه، فما أشبه اليوم بالبارحة... روى ابن عبد البر عن ابن عباس قال: بينا أنا أمشي مع عمر يوماً، إذ تنفّس نفساً، فظننت أنّه قد قُضبت أضلاعه ـ تقطّعت ـ فقلت: سبحان الله! والله ما أخرج منك هذا إلا أمر عظيم .
فقال: ويحك ـ يا بن عباس ـ ما أدري ما أصنع بأمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ).
قلت: ولِمَ وأنت بحمد الله قادر على أن تصنع ذلك مكان الثقة؟
قال: إنّي أراك تقول: إنّ صاحبك أولى الناس بها ـ يعني علياً ( عليه السلام ) ـ .
قلت: أجل، والله إنّي لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته وصهره.
قال: إنّه كما ذكرت، ولكنّه كثير الدعابة ... ( الاستيعاب ٣ : ١١١٩ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) رقم ١٨٥٥).
لاحظ ـ أيّها الخبير ـ إنّ قول عمر: إنّه كما ذكرت، يعني أنّ علياً حائز على جميع المواصفات التي تُقدّمه على الآخرين، وتبيّن أولويته عليهم في مسالة الخلافة، وعمر بقوله هذا يعترف ويقر لعلي ( عليه السلام ) بذلك.
وأمّا قوله: ( كثير الدعابة ) هذه فرية ألصقها عمر بعلي ( عليه السلام )، ولا أصل لها ولا أساس، وهي في الوقت نفسه لم تكن مانعةً للخلافة، فترى أنّ عمر بفريته هذه ينوّه عن الصدّ عن استخلاف الإمام علي ( عليه السلام )، ولو سلّمنا بأنّه ( عليه السلام ) كثير الدعابة، فهل هذه الصفة - فرضاً - تكون سبباً لصدّه عن الخلافة ؟ هذا سؤال بحاجة إلى جواب من عمر وأتباعه.
فرية عمر واتّهامه الإمام علي ( عليه السلام )، بأنّه كان كثير الدعابة صارت ذريعةً في أيدي أتباعه الطلقاء وأبنائهم، أولئك الذين لعنوا على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمثال عمر وبن العاص وبني أمية وبني المغيرة.
ومَن راجع التاريخ الصحيح، الذي لم تُمد إليه الأيدي الغاشمة والبواعث السياسية والاعتقادية، ويراجع أيضاً فتوة الإمام علي وشجاعته وزهده وورعه وعلمه وحكمته وسائر أوصافه النبيلة، عرف أنّ تلك الفرية هي من مصاديق المَثَل السائر ( كل يرى الناس بعين طبعه )، و ( رمتني بدائها وانسلت ).
ومن الطلقاء الذين اقتفوا أثر أسيادهم بالقذف ورمي الآخرين بأوصافهم محمد العريفي إمام جمعة الرياض الذي أخذ يرمي ويطلق صفات الزندقة والكفر بالإمام السيستاني لتعاطفه مع الحوثيين وفاته أنه من مقدّم رأسه حتى أخمص قدميه منغمس بالزندقة والكفر لأنه تكفيري لا يبدر منه سوى الحقد والكراهية وقتل الأبرياء في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها من الدول لأسباب ودوافع طائفية وسياسية مقيتة، وعلى العكس من ذلك المتصفح لسيرة الإمام السيستاني لا يرى فيها سوى الدعوة إلى الوحدة والتآلف والأخوة ونبذ العنف والقتل العشوائي وضرورة بسط القسط والعدالة لتشمل كافة الطوائف والقوميات التي تعيش تحت خيمة العراق الواحد، فهذا السيد الجليل يدافع عن حقوق إخواننا السنة والمسيحيين والأكراد قبل دفاعه عن أتباع أهل البيت عليهم السلام، وهو الذي ضرب أروع الأمثلة في التسامح واحترام حقوق الإنسان حتى رشح من قبل الكثير لتقليده جائزة نوبل للسلام بالرغم من زهده ليس منها بل بالدنيا وما فيها، ذلك العالم الرباني الذي حفظ العراق وأهله من شبح الحرب الأهلية التي سعى العريفي وأمثاله من أئمة التكفير من تأجيجها وارجاعها جاهلية مماثلة لحكمهم الوراثي الفاسد، ولكن طيشهم وحماقاتهم اصطدمت بحكمة صمام أمان العراق وجعلتها قاعا صفصفا، وها هو لا يغمض له جفن ولا يستقر له حال ولا يألوا جهدا إلا ويبذله في سبيل ايصال العراق إلى واحة الأمن والسلام وتقديم الخدمات وحفظ الكرامات وصون المقدسات، ويظل الحاقدون يتميزون من الحقد والإحن ويكيلون التهم والسباب والإفك لكل شريف يعمل على خلاف أهوائهم الشيطانية، وتبقى سفينة الإصلاح والتغيير تسير غير عابئة بما يكيله أصحاب النفوس المريضة من تهم هم أصلا اتخذوها جلبابا ودثارا لهم وأعمالهم الإرهابية خير دليل على اتصافهم بها.
حسن الهاشمي