أن عملية التحول من الدكتاتورية المستبدة الى الديمقراطية الحقيقة ستتعثر مرات ومرات قبل أن تنتصب شامخة مواصلة المسير في خطى ثابتة واثقة.
إن ضعف التخطيط المركزي وغياب البرامج المستقبلية الخاصة بجعل مصلحة العراق فوق كل اعتبار أودى بمصير العملية السياسية في نطاق الفئوية الضيقة والتي لم تعر أهمية ملحوظة في الحفاظ على استقرار وأمن البلاد. ولا يخفى أن ما يجري على الساحة العراقية يرتبط بشكل أو بآخر بالموروث "الصدامي" الذي رسخ في أذهان وعقول بعض النفوس المأخوذة بحب السلطة ونزعة الاستحواذ التي تغلب المصلحة الفئوية والمناطقية على المصلحة العليا للوطن الأمر الذي دفع ببعض المكونات الاجتماعية الأخرى وقواها وقياداتها السياسية الى اعتماد مبدأ العمل بالضد والتعامل بالمثل والذي أفضى الى حالة التشنّج السياسي التي واكبت العملية السياسية في جميع مراحلها منذ تشكيل مجلس الحكم وحتى يومنا هذا مما ساهم مساهمة فعالة في تأخير بناء دولة الديمقراطية والقانون.
كم كان لائقا بالأطراف التي قادت حملة المعارضة وقدمت قوافلا من الشهداء في سبيل إسقاط الطغمة الشوفينية، أن توازن بين مصلحتها ومصالح الآخرين واضعة، مصلحة العراق فوق كل شيء متخذة من سني الظلم والقهر والاضطهاد دروسا وعبرة، ومن تجارب الشعوب المتطورة قدوة وخبرة، ولاتنشغل -ونحن خارجون للتو من آتون الدكتاتورية البغيضة- بمحاصصات ضيقة متناسين أن العراق بثرواته الهائلة ومعادنه المتنوعة، وأرضه الخصبة، ومياهه العذبة يسع الجميع ويغمر الجميع بخيراته وخصبه، قد يعي بعضنا بل كلنا هذه الحقيقة لكن مشكلتنا في عدم فهم الآخر، بل لا نريد الاعتراف بحقوقه التي كفلتها له الاعراف والأديان والقوانين، وكأن هذا الاعتراف يسجل تنازلا عن حقوقنا، أو يمثل تجاوزا على مصالحنا، إننا لا نريد للمصلحة الخاصة أن تطغى على المصلحة العامة بحيث تصبح الدافع الرئيسي في تحرك بعض مكوناتنا السياسية وقوى مجتمعنا أزاء الموقف من العملية السياسية الجديدة، فتصرف من هذا القبيل يزري بالعملية برمتها، ويصيب تطلعات وأماني الجماهير بالاحباط، ويولد حالة من ضعف الثقة بين الجماهير وحركاتها السياسية.
لا وجود لمن يريد اختزال العراق وشهدائه البررة بشخصه، أو يوظف تضحيات الجماهير لمصالحه الفئوية، أو يحشد الطاقات لتمجيده. .
إن هذه الجماهير قد توجهت بآمالها وتطلعاتها نحو الممثلين الذين اختارتهم كنواب لها في البرلمان الدائم إذ كانت تأمل أن يكون في هذا البرلمان طريق خلاص لها من سياسات الدم والحرمان والاضطهاد التي عانتها طيلة أربعة عقود سود من تسلط طغمة البعث وأن يكون له الدور البارز في خروج العراق من النفق المظلم وتحقيق الاستقرار والأمن وتوفير فرص العمل والنهوض بالواقع الاقتصادي المتدهور والخدمي المتدني، ووضع المشاريع المهمة ضمن خطط انفجارية تسرع في مسيرة بناء واعمار العراق وانعاش الحالة المعاشية لهذا الشعب المحروم الذي عانى وما زال يعاني من الويلات والحرمان والمآسي والعوز والرعب.
إن مسيرة الألف ميل قد تعثرت.. وستتعثر لكن إصرار القيادات وجماهيرها الصابرة على الوصول بالعملية الديمقراطية الى بر الأمان هو مبعث للأمل في النفوس وحماية لها من الانكفاء والنكوص.