إذن هذه الظاهرة المعضلة ممتدة من زمن العصر الجاهلي الأول عندما كانت المرأة أنذاك تباع وتشترى ، وتوؤد بطريقة بشعة لا إنسانية من خلال دسها في التراب وهي حية ، وكانت "كندة" تئد البنات وتشتهر به ، وقد عرج القرآن الكريم إلى هذا المعنى بالآية الكريمة : "وإذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت".
بيد أن الدين الإسلامي الحنيف تصدى لهذه الظاهرة وإجتثها من جذورها واقام الحدود الشرعية على فاعليها .
ولكن المرأة ظلت تعاني من ظواهر عديدة أخرى أبدع المنافقون والذين في قلوبهم مرض من فرضها على الواقع الإجتماعي الاسلامي العربي وانتهاجها كعرف موروث ، منها ما يخص حريتها في العمل وفي مختلف ميادين الحياة الأخرى ، ومنها مايخص اختياراتها كأنسان في المجتمع وممارسة حقوقها في التعليم والصحة والنكاح .
لم تقف بدعهم على هذا الحد بل ابتكروا طرقا عديدة أخرى للتحايل على هضم حقوقها فيما يخص الأرث والملكية وإختيار شريك حياتها .
وكان للأجواء الملائمة لهضم حقوقها آنذاك وبعد الخلافة الراشدة حصرا ، ضاعت المرأة وسط أمواج متلاطمة أدت إلى تجديد نعرات وتقاليد جاهلية ، أنتشرت مجددا خلالها ظاهرة الجواري وظاهرة السبي وأنتعشت ظاهرة النخاسة .
وظلت هذه الظواهر معشعشة في المجتمع النسوي إلى يومنا هذا بل زيد عليها ظاهرة غسل العار ، وظاهرة غسل العار هذه تتيح للولي وحسب العرف السائد هو قتل المرأة بدم بارد ولأتفه الأسباب وأسخفها، وتحت هذا العنوان المشؤوم.
والظاهرة هذه تعد من أكثر الظواهر خطرا على المجتمع لا بل حتى أكثر خطرا من ظاهرة وأد البنات بالعصر الجاهلي حيث أن الولي أتخذ من نفسه حاكما شرعيا بإقامة الحدود كيف ما يشاء ضاربا بذلك عرض الحائط ، دون الرجوع لرأي الشارع المقدس أو السلطة القضائية للإستئناس بآرائهم .
والغريب في هذه الظاهرة أن الفتاة عندما تتهم بشرفها تلجأ إلى مجاورة أحد رجال المنطقة أو ساداتها لطلب النجدة والأمان والتحقق من القضية لإخلاء ساحتها عندما تكون بريئة ولكن وللأسف الشديد أن هذا الأخير يقوم بتسليمها إلى جلاديها حتى تنفذ فيها أحكام الوأد ظلما وعدوانا .
ظاهرة أخرى مخجلة تستحق الوقوف عليها، الا وهي حالة انتشار ظاهرة الطلاق في اوساط مجتمعنا ، وهذا أيضا إنما هو وأدا بأستعمال الطريقة التي تبغض الله ، ذلك لأن الرجل عندما تنتهي رغبته من تلك المرأة بدلا من أن يرعاها ويكافأها على الفضل الذي بينهما يقوم برميها في الشارع تحت عنوان يافطة الطلاق .
أقول أن المرأة المطلقة وبالأخص المظلومة والمهضومة لوكان الأمر بيدها لاختارت الموت على الطلاق ، لأن ذلك يشعرها بمنبوذيتها ودونيتها في المجتمع ، وماتلاقيه من احراجات وانتكاسات نفسيه ومرضيه وكأنها ميتة بحياة.
عندها سيكون الرجل مسؤولا أمام الله والمجتمع والتاريخ ، عن سمعة ومصير ومستقبل هذه المرأة ، التي ماتلبث ان إذا سألت عن حالتها تدعي الترمل ، قدر معاناتها من دونية هذه الظاهرة .
نحن والناس والتاريخ نقف اجلالا واحتراما وانبهارا ، لموقف الامام علي (ع) مع ذلك الرجل الذي جاء بزوجته ليطلقها منه ، فقال الامام (ع) : لم تطلقها يا هذا فقال الرجل : كذا وكذا فرد عليه الامام قائلا : أتطلقها وتنسى الفضل الذي بينكما، أين مروئتك وأين عهدك وأين وفائك ،وأين الذمة والضمير ، فانصرف الرجل بإستحياء وعدل عن فكرة الطلاق .
وأقول : للذي طلق زوجته دون عذرا يناسب حجم واقعة الطلاق فهذا يحتاج إلى إعادة النظر في رجولته وأنسانيته ومروئته وعهده ووفائه ، وليتقي غضب الله الذي سيحل به عاجلا أو آجلا، " ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ".