مازالت قضية حجب مبلغ البترو ٥ دولار الخاص بالمحافظات المنتجة للنفط عن مشروع موازنة ٢٠١٤ يحتل واجهة الاحداث وتداعياتها ، وتتصاعد وتيرة الغضب والرفض لهذا الاجراء في المحافظات المنتجة كمؤشر واضح على أزمة سياسية جديدة قد تتسع وتعطي نتائج غير متوقعة خاصة وان العراق يعيش أزمات كثيرة ومتشابكة ويعجز ساسته غالبا عن ضبط ايقاع الاحداث وتداعياتها ، فالأزمة تبدأ بعنوان ما لتنتهي بعنوان آخر مختلف واكثر خطورة ، ويلاحظ في اغلب الأزمات ان الحكومة تضطر الى معالجة الموقف باعطاء تنازلات اكبر حجما من الازمة نفسها. الآن تطورت الأزمة باتجاه تركيز المتضررين على الجانب الدستوري من الموضوع ، فقد أخذ بعض النواب يلوحون بعرض الموضوع على انه عملية اعاقة لتنفيذ القوانين ، فالبترودولار قانون ولا يوجد مسوغ لتعطيله ووقف تنفيذه ، اما ما تقوله الحكومة بأن المحافظات عادة لا تنفق كامل موازنتها السنوية وان هذه المبالغ يمكن ان تدفع للمحافظات المستحقة اذا نجحت في انفاق موازنتها كاملة فيصفونه بأنه ربط غير قانوني لان مبلغ البترودولار استحقاق جرى على أساس قانون آخر غير قانون الموازنة او خطة المحافظة السنوية ولا ربط لهذا القانون بالانفاق السنوي ، وعلى اساس هذا الاختلاف في تفسير الأمور تهدد المحافظات المتضررة باللجوء الى المحكمة الاتحادية لحسم الموضوع ، ومهما يكن من أمر فان الجدل في موضوع البترودولار سيؤدي الى استهلاك المزيد من الوقت خاصة وان الأزمة حدثت في وقت متاخر وكأنها حصرت في مدى زمني لا يكفي لحلها بالشكل الذي يجعل استمرارها مؤثرا في استحقاقات أخرى كموعد التصويت على الموازنة الاتحادية او موعد اجراء الانتخابات . وتيدو مشكلة البترودولار ذات اثار مضاعفة في محافظة البصرة وهي المحافظة التي تنتج ٧٠% من النفط العراقي الذي هو المصدر الوحيد للدخل الوطني ، اي ان حياة البلد متوقفة على نفط البصرة ولكن هذه المحافظة تعرضت الى جملة من المظالم بدل ان تحصل على التشجيع ، فقد حرمت من اعلانها كعاصمة اقتصادية للعراق وبقي مشروع القانون معطلا وعصفت به الخلافات السياسية كما عصفت بسواه من القوانين ، وكان قانون العاصمة الاقتصادية ضامنا لتطوير المحافظة بمنحها امتيازات مالية وادارية وسياسية يجعلها تلعب دورا اكبر في التنمية الوطنية ، ثم حرمت البصرة من جعلها اقليما يتمتع بصلاحيات ادارية ومالية استثنائية لاسباب سياسية بحتة ، والآن يجري حرمانها من حصة البترودولار ، وهناك محرومية اخرى اصابت البصرة وسواها من محافظات العراق وهو الحرمان من تطبيق قانون ٢١ المعدل الخاص بصلاحيات المحافظات ، وهو نموذج عالمي شائع في الادارة المناطقية اقل حرية من الفدرالية واكثر حرية من المركزية ، وبذلك يصبح تعطيل قانون البترودولار صدى لعدد من حالات التعطيل والحرمان التي تخص المحافظات وبالاخص المنتجة للنفط ، اضافة الى اشكاليات اخرى مزمنة تعيشها البصرة وميسان وواسط وهي مشكلة امتداد حقول الالغام المتبقية من الحرب العراقية الايرانية ، وقد تسببت تلك الالغام بمئات من حالات القتل والعوق . اضافة الى انهيار مهنة الزراعة فيها بسبب اقتطاع الاراضي للانتاج النفطي او انعدام شبكات الري وانعدام خطط اصلاح الاراضي المهددة بالتملح ، يمكن لمبالغ البترودولار ان توفر موارد مالية كافية لاجراء التنمية الشاملة في تلك المحافظات . واذا لم ينظر المعنيون الى هذه الحقائق باهتمام وحياد ومهنية فسوف تتحقق نبوءة أحد اصدقائنا الخبير النفطي الذي قال : ان النفط مهدد بالنفاد والجفاف حتى سنة ٢٠٨٥ نخشى ان تأتي تلك السنة وما زال العراق بلا تنمية .