وليس هذا استنتاجاً غريباً بعد كل ما حصل منذ نهاية ٢٠١١ يوم انسحاب الفيالق الاميركية، لكن ما يهمني هو استكشاف "الوضع المعنوي" للحاج غداة انتخابات نيسان المقبل.
ان استعداد الحاج لفعل الاعاجيب بغية تمسكه بالمنصب، يعني انه مدرك لحقيقة ان وضعه صعب جداً، وأن صناديق الاقتراع لن تأتيه بأخبار سارة.
كل التهليل والتكبير والثقة بالنفس، التي يتظاهر بها حلفاء السلطان، خلال تأكيدهم ان الولاية الثالثة للمالكي مضمونة، بوصفها هدفاً سهلاً لا يصعب على هداف شاطر من طرازه.. هي امور لا تنجح في اخفاء الذعر والشعور بالهزيمة في فريق المالكي.
ليس الرجل مسترخياً ولا واثقاً. ولذلك فهو مضطر لفعل "الاعاجيب" وخرق كل الخطوط الحمراء. الهستيريا تتملكه وهو يرى فقدانه للسيطرة على الامور، والسخرية المتواصلة من "انجازاته". حملة الجيش التي بدا انها رهانه الاخير لترميم صورته المهزوزة، سرعان ما فقدت كل الزخم. اختفى الحماس الشعبي المؤيد للقائد العام، وبدا واضحا انها قمار غير محسوب النتائج، وتعرضات بلا حسم ولا نصر ولا تقليل للخسائر. اتضح للجميع أن الحرب مشروعة ومطلوبة على الارهاب، لكن قائد الجند غير مؤهل ولا متوازن بالنحو الذي تتطلبه حرب هي الاصعب، في محافظة هي الاكثر حراجة وحساسية.
القائد الذي خذلنا جميعاً، يعود من معركته بما يؤكد قصوره، وبدل ان يحاول لملمة هزيمتنا جميعاً في الانبار، فإنه يثأر من مثال وصباح، اللذين تفننا في السخرية منه، والتحذير من تداعيات بقائه سلطاناً علينا لدورة ثالثة. نعم وبهذه البساطة، ومثل فتى مكسور القلب، ينسى "داعش" ويتفرغ لاجتثاث مثال وصباح وملاحقة رحيم العكيلي بمكائد قضائية، ويطلب سجن الصحفيين.
يفعل المالكي هذا وينسى انه لا يبتكر ولا يبدع، فهو مجرد تكرار مكلف ومؤسف، لنماذج التشبث بالسلطة التي شهدها العالم الثالث طيلة ١٠٠ عام من محاولات ارساء الديمقراطية.
عشرات الساسة الخائبين، في اميركا اللاتينية وافريقيا وآسيا، فعلوها قبلك يا حاج. نجحوا في التلاعب بقواعد السياسة، وحاولوا ان يقولوا للشعب ان الديمقراطية مليئة بالاخطاء، وان العناية الالهية جاءت بمنقذ يصحح اخطاء التحول الديمقراطي. وقد مكنتهم الظروف المضطربة وتركز القوة في مكاتبهم، من القاء خصومهم في السجن، وترويع الصحافة، ومواصلة الكذب، والتلاعب بأشياء كثيرة، واستخدام الجيش في تصفية المعارضة، لكنهم فشلوا في النهاية وأصبحوا نموذجاً للمصائر المؤسفة، وعليك ان تكمل سيرتهم الذاتية حتى الصفحة الاخيرة، قبل ان تنغمس بالاستمتاع بحكاياتهم المثيرة وانتصاراتهم الناقصة على "الشركاء" ومراكز القوى المتعددة.
الحاج اذن راحل، وهو يعلم ذلك، وداعموه الخارجيون يقولون له: منحناك ثقة ودعماً لتجمع الناس حولك، فاستخدمت ذلك لتريق الناس من حولك. لكن السؤال الاساسي لا يتعلق بالحاج نفسه، بل بأدواته.
هل حقاً اننا سنبقى عاجزين عن فعل شيء جاد حيال تفاصيل انحراف مؤسسة القضاء والمفوضية، وعرضه وتوثيقه بما يستحق؟ وهل رأى قادة الاحزاب في تصرف المفوضية المفضوح مع مثال وصباح، وغيرهما، شأناً معتاداً لا جدوى من الاعتراض عليه بالمستوى الذي يستحقه؟ وهل انتم واثقون بأن الحرمان من الترشح سيتوقف عندهما، او ان مذكرات الاعتقال المستفيدة من قوانين صدام حسين الرعناء، لن تمتد الى "كبار الكبار" حين يصاب الحاج بصدمة النتائج مساء يوم الاقتراع، او بصدمة رفض الجميع له في مفاوضات تشكيل الحكومة؟ أم انكم تطبقون هذه الايام، قاعدة العمل المعروفة التي تنصح بالتزام الحذر حين التعامل مع شخص مختل التوازن يمسك آلة جارحة في حمّام للعجائز؟