لأن الانتخابات تقترب ، ولأن المواطن العراقي المثقف يريد تقليد مواطني الدول الديمقراطية في النقاش والتواصل ، لذا امتلأ الفيس بوك بالضوضاء ، نقاشات المواطنين في البلدان الديمقراطية تتشعب في ايام الانتخابات لكنها ذات محور موحد هو مصلحة المواطن الشخصية وحقوقه العامة ومن الذي يستطيع تحقيقها كاملة او يزيد عليها ، ثم يناقشون برامج انتخابية يقدمها المرشحون او تقدمها احزاب وتحالفات انتخابية ، ولا يسألون عن أسرة هذا المرشح او انتماء ذاك بل يسألون عن سابقته المهنية وكفاءته ونزاهته وتخصصه ، وكل من يتوقعونه قادرا على تحقيق مطالبهم يروجون له ، هناك تنافس مهني وسلمي وهادئ . عندما اراد المواطن العراقي ان يتصرف مثلهم ويتواصل ويناقش لم يجد الا القليل ممن يقدم له برامج او خططا او رؤى حول ادارة البلد ومعالجة اشكالياته الكبرى ، لم يجد ستراتيجيات شجاعة لمكافحة المرضين الاكبر (الارهاب والفساد) ، مواقع التواصل اخترعها الغربيون لشعورهم بالحاجة للتواصل في المجتمع ، نقلدهم في استخدام التواصل وليس في اهدافه ، كثير من الاصدقاء عندنا لم يفعلوا شيئا مهما في مجال النقاش المتبادل لعدم وجود برامج ولا اهداف واضحة ومشتركة للحوار ، أما اذا اختلفوا في الرأي فهي الكارثة ، يقومون فورا بنقل منظومة الشتائم الوطنية وما يتعلق بها من مفردات بذيئة واتهامات وسخرية قاسية - نقلها من السوق والشارع الى صفحات الفيس بوك ! فيجد المشاركون انفسهم يعيشون شجارا لفضيا وتبادلا للسباب و(التفلات) الكلامية . ثم يتقدم المتشاجرون خطوة لكي ينسوا انهم جمهور انتخابي يعيش نقاشا في اجواء الدعاية ، فيتحولون فورا الى معتد ومعتدى عليه ، وتبدأ الثارات وتنقطع النقاشات ، ويتكلم العقلاء ولا يشاركهم أحد ، بالنتيجة هناك فئة متوترة بدل ان يصبح الفيس بوك لديها ساحة للتواصل يصبح ساحة لتضخيم الخلافات ونقل العراك من الدرابين والازقة الى الشبكة الالكترونية ، فتتحول النعمة الى نقمة ، وفي هذه الاجواء يتم تشويه أحزاب البلد السياسية بدل تعريفها ، وتسقيط الشخصيات بدل ترويجها ، يشوهون بعض الاحزاب فيرسمون لها صورة قبيحة تجعل من لا يعرفها يشعر بالعار ان توجد في بلده احزاب بهذا المستوى من الانحطاط ! بينما الحقيقة ان القوى السياسية في البلد ليست بهذه الصورة الحادة من القبح والتدني ، والموجودة في السلطة متقاربة في مستوى الشرف والنزاهة ومتقاربة في مستوى الفشل والفساد ، ولا يوجد شياطين مقابل ملائكة . يفترض ان تساعد مواقع التواصل على اكتشاف الايجابيات وتنميتها في المجتمع وفي الاحزاب وفي اوساط المتحاورين ، وذكر السلبيات بلغة هادئة ، وعدم التشنيع والتلذذ بذكر عيوب الآخرين او اختلاق عيوب لهم ثم التغني بها والسعي لنشرها ، التصرف بهذا الشكل يعود الى امراض نفسية بحاجة الى علاج جدي .