مع اكتمال الانسحاب الاميركي من العراق، سمعنا كلاماً جديداً ومفاجئاً من المسؤولين في واشنطن وبغداد على السواء. فعشية لقاء نوري المالكي مع باراك اوباما، قال مسؤولون في البيت الابيض "إنه ليس رجل اميركا في العراق"، بينما اعلن المالكي بالحرف "ان لا عذر بعد الآن لإيران في العراق".
يصعب على المراقب ان يعتبر هذا الكلام مقدمة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين تلي التفاهم على آلية تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي بينهما، لأن من المفهوم ان المالكي هو رجل ايران في العراق قياساً بمساره السياسي المعروف، وليس خافياً على احد ما فعلته طهران لابقائه رئيساً للوزراء رغم ان النتائج االانتخابية لم تكن لمصلحته.
وهكذا كان لافتاً جداً بعد المحادثات في البيت الابيض ان اوباما تعمّد تقديم المالكي في صورة جديدة خالية تقريباً من "الملامح" الايرانية عندما قال إنه يتصرف لما فيه مصلحة العراق الجديد الذي لا يريد من الدول ان تتدخل في شؤونه ولا يريد ان يتدخل في شؤون الدول الاخرى. اما المالكي فقال لصحيفة "الوول ستريت جورنال" إنه سيواجه في حزم اي تدخل ايراني في شؤون العراق الداخلية : "… اذا كان عذر ايران ان وجود قوات اميركية في العراق يهددها فالآن انتهى هذا العذر... وانني مستعد لمواجهة اي ميليشيات شيعية تدعمها طهران".
ورغم ان المالكي تعمد تسجيل موقف يرضي ايران عندما ابدى قلقه من التدخل التركي في العراق، فإن مقتدى الصدر مثلاً لن يقطع عليه طريق العودة الى بغداد بالتظاهرات المستنكرة كلامه، لأنه يعرف جيداً ان المالكي لم يكن ليقول ما قاله عن الايرانيين لو انه لم ينسق الموقف معهم ضمناً.
نقول هذا الكلام اولاً لأن ليس في المالكي شيء من "الصدامية" المستجدة ضد ايران، وثانياً لأن التطورات في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، تدفع المسؤولين في طهران الى ضرب الاخماس بالاسداس، وربما يكون من النافع والمطلوب ضمناً ان يتخذ المالكي هذا الموقف الذي يشكل رسالة ايرانية الى البيت الابيض. فليس سراً ان طهران، التي تراقب تطورات الوضع في سوريا، باتت تخاف ان تخسر القاعدة السورية من الجسر الاستراتيجي الذي تستند اليه في كل مطالعاتها المتصلة بقضية فلسطين ومواجهة العدو الاسرائيلي.
هذا الخوف الايراني المتزايد من انهيار النظام السوري دفع طهران الى لقاء وفد من المعارضة السورية والى تكرار التصريحات التي تدعو الرئيس الاسد الى اجراء الاصلاحات الضرورية لحل الازمة، وهو الذي جعلها تطلب من المالكي عرض وساطة استطرادية انطلاقاً من مبادرة الجامعة العربية، وربما هو ايضاً الذي فرض تحريك النوافذ الايرانية عبر كلام المالكي التصالحي، ذلك ان طهران تريد تأمين البدائل التي تقيها شرور رياح التغيير العاتية التي قد تدمر ما بنته خلال ثلاثة عقود.