انه مخاضات واجتهادات واستنتاجات المؤسسات الاعلامية والقوى السياسية والبرلمانية والاكاديمية والحكومية والعسكرية والنقابية والمدنية وقوى الجماعات والحوزات والاقتصاد والاجتماع والشباب والنساء وغيرها.. التي تتبلور في انتاج اتجاهات محددة تشكل توجهات البلاد وحصاناتها.والتي تمنحنا ما تمنحه "البورصة" لرجال الاعمال.. التي بدونها لا يمكنهم اتخاذ القرارات، او التأثير فيها.
والعمل السياسي ليس المغالطات والغش لتسقيط الاخرين والانفراد بالساحة.. او الاضرار بمصالح الناس لعرقلة الحكومة وتحقيق المآرب الخاصة... انه تخصص له اختباراته العملية والنظرية.. فعندما كانت المعارضة كان القمع غربالاً.. لكن عندما اصبحت السياسة "وظيفة" وامتيازاً، صارت سهلة فاهمل كثيرون مستلزماتها وشروطها. العمل السياسي هو اختصاص.. لا يمكن لامة من الامم ان تدير شؤونها بدونه. فهو سلك له اخلاقياته و"تقاليد عمله" وبناءاته وتدريباته ومآلاته، لا يختلف في ذلك عن السلك الحوزوي او الاكاديمي او الطبي او غيرها. ففي الطب تعتمد الممارسة في جل شؤونها خصوصيات واخلاقيات وبروتوكولات المهنة. مثل.. معالجة المريض بغض النظر عن هويته.. وسر المهنة.. ولغة التعامل مع المريض وعائلته، بل لغة التعاون بين الاطباء انفسهم وتسمية اعضاء الجسم او كتابة التقارير والوصفات بغير ما يعتاد عليه الناس. فهذه وغيرها بعض ما يسمح للاطباء ممارسة اختصاصهم بما ينفع المرضى ويحمي المهنة من المشعوذين والدجالين.
السياسة عندنا ستصبح رخيصة وتتدهور مستوياتها ان لم ترس تقاليد عمل تتطور بها، ويتطور بها مفهوم "الرأي العام" والمؤسسات اللازمة.. الهادفة اولاً واساساً لتحقيق القدرة النظرية والعملية لخدمة الدولة والشعب.. دون حرمان السياسي من كسب ومنفعة وطموح.. باحترام القواعد والاصول وليس خلافهما. فالحفاظ على المهنية واخلاقيات الاختصاص هي التي تسمح للسياسيين بانجاز برامجهم واحترام الوعود التي لهم او عليهم.. ومنها غير المكتوبة. فـ "كلمة الشرف" او "كلمة الرجال" كانت وما زالت عهداً يسمح بالاتفاقات والضمانات الضرورية لنجاح السياسة بتعقيداتها وملابساتها. واخيراً وليس اخراً، فان احترام الرأي الاخر، حتى عند الاختلاف الحاد، هو الذي يسمح بنماء العملية السياسية على قاعدة.. رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.. فمثل هذه التقاليد، وغيرها، هي التي تطور العمل السياسي والرأي العام والمؤسسات، بما يخدم الدولة والشعب."