وهذا اليوم يقترن مع اليوم الاسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة والذي أعلنه عزيز العراق الراحل (قده) .
واستنكر سماحته بشدة ظاهرة التعنيف ضد المرأة بكل اشكاله وصوره سواء التعنيف اللفظي والمعنوي والتعنيف الجسدي ، مشيرا في هذا السياق للتقارير الكثيرة حول حجم الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في جميع انحاء العالم ، مشددا سماحته على وجوب الوقوف على جذور وتداعيات وأسباب هذه الظاهرة الخطيرة وكيفية علاجها ، معتبرا ان أخطر حالات العنف ضد المرأة عندما يتحول هذا العنف الى ظاهرة وتقاليد وسلوك مقبول في المجتمع .
وأشاد سماحته بالموقف الانساني للاسلام والذي كرّم المرأة ونظر لها ككائن بشري متميز يملك كل عناصر النجاح والتقدم وبناء الحياة ووضع الضوابط والرؤى التي ترفع الحيف والظلم عن المرأة من خلال التأكيد على أن مخافة الله تعالى وطاعته تستوجب احترام المرأة وعدم التعدي عليها من جهة ، ومن جهة اخرى جملة التشريعات والقوانين التي ألزمت الرجل والمرأة على حد سواء تبادل الادوار وتوزيعها من خلال نظام ورؤية اجتماعية ونظام أسري متكامل .
وتطرق سماحته الى مواقف السيدة زينب (ع) وصمودها بوجه الظلم والسبي الذي لحق بها من خلال ما أبدته وعيال الرسول الاكرم (ص) من الايمان المطلق بالله تعالى والتوكل عليه والارادة والصبر والثبات والعزيمة والاستعداد للتضحية ، مؤكدا سماحته على أهمية التأسي ببطلة كربلاء والتحلي بالمواقف والأخلاق والثبات من أجل الدين والوطن والفضيلة .
كما تفقد سماحته معرضا للصور التشكيلية عن أشكال العنف ضد المرأة وشجب المؤتمر الوطني لهذه السلوكيات .
هذا وعبرت العديد من الشخصيات النسائية التي حضرت المؤتمر عن شكرها وتقديرها لسماحة السيد عمار الحكيم على أهتمامه لقضايا المرأة ودفاعه عن حقوقها .
وفيما يأتي النص الكامل للكلمة :
بداية أرحب بكم في هذا الملتقى والذي يتحدث عن فاجعة كبرى ألمت بالأنسانية جمعاء حينما تم الاعتداء على ذراري رسول الله ( صلى الله عليه واله ) وأسرته وبناته ، ايضاً هناك اقتران بين دخول سبايا رسول الله ( صلى الله عليه واله ) الى الشام وبين ظاهرة تعيشها الكثير من المجتمعات متمثله بالأساءة والاعتداء على المرأة وهي ظاهرة لا تنحصر بمجتمع دون آخر ولا تنحصر ببيئة دون أخرى كما لا حظنا في التقرير الذي قدم في هذا الملتقى وكما أطلعنا جميعاً وكل المهتمين بهذا الشأن عن تقارير مزعجة جداً ومؤلمة لمجمل الانتهاكات التي تتعرض لها نساء العالم من كل الاوساط والشعوب حتى باتت ظاهرة تحتاج الى ان نقف عندها وقفة تأملية لننظر بحدودها وتداعياتها وجذورها وأسبابها وفي وسائل علاجها وكيفية النظر الى المرأة أسلامياً وأنسانياً .
اليوم الاول من صفر كان يمثل صورة من أبشع صور انتهاك حقوق المرأة والطفل والمرضى وحقوق الانسان بكل اتجاهاته ، في مثل هذا اليوم نقف لندين ونستنكر بأشد العبارات الاساءة للمرأة وتعنيفها بكل صورها ان كانت أساءة لفظية كعبارة نابية او كان هذا العنف عنفاً معنوياً يحطٌ من قيمة المرأة ويستهدف كرامتها وعزتها وهذا ايضاً نمط آخر من العنف المعنوي وهناك نمط ثالث وهو العنف الجسدي حينما تضرب المرأة ويعتدى عليها ، إننا نستنكر العنف بكل صوره لفظياً او معنياً او جسدياً ونستنكره سواءاً صدر من زوج او اب او اخ او من ابن او في بيئة أسرية او اجتماعية ، وأينما تتعرض المرأة الى العنف نقف وندافع عنها ونستنكر مثل هذه الاعتداءات وهذا التعنيف ، نحن نستنكر هذا العنف سوءاً أستهدف المرأة كشخص او أستهدفها جماعة لأن هناك سلوكيات تعنف ـ جماعة ـ أي شريحة من النساء وهناك العنف الذي يستهدف المرأة شخصاً نحن نستنكر كل هذه الأساليب والوسائل في استهداف المرأة كما اننا نستنكر هذا العنف كيفما كانت ردود أفعال المرأة المعنفة تجاهه لأن هناك من النساء من يسكتن عن العنف خوفاً او خشية او لعدم وجود أفق للحل او لأي سبب من الأسباب كيف كان حال المرأة وكيف كانت ردود فعل المرأة اننا نسنتنكر هذا العنف ولايمكن ان نجد له مبرراً في كل السياقات حتى اذا كانت من خطأ ويمكن ان يحصل الخطأ للمرأة ولكن لابد ان نعالج الخطأ بالموقف الصحيح وليس بالأساءة ، ان الاسلام كرم المرأة ونظر اليها تلك النظرة الراقية التي تنسجم مع خلفياتها ودورها وأسهاماتها الكبيرة ككائن بشري مميز وممتاز بكل مقومات النجاح والانطلاق والتأثير والفعالية والعطاء ولابد لنا ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة ان نشيد بالموقف الاسلامي تجاه المرأة والضوابط التي وصفها الاسلام في النظر اليها . ان خطر حالات العنف ضد المرأة هي تلك الحالات التي يتحول فيها العنف الى ظاهرة وعادات وتقاليد وحقوق طبيعية فيكون من حق الرجل ان يمارس سلوكيات تعتبر تعنيفاً لهذه المرأة لفظياً اومعنويا اوسلوكياً فيكون من الطبيعي للمجتمع الذكوري ان يتعامل مع المرأة بطريقة معينة في مثل هذه الحالات والظروف لأن المرأة تظلم مرتين مرة لأنها معنفة ومرة اخرى لأن هذه الظلامة ايضاً مسلوبة ولا تعتبر ظلامة وانما تعتبر حق من الحقوق الطبيعية التي تمارس في المجتمعات المعنية وهذه أخطر حالات العنف .
ان بعض مظاهر العنف ضد المرأة يأتي ضمن سياق العادات والتقاليد والاسلام براء من مثل هذه السلوكيات هناك من الاباء من يظلم البنت ولا يسمح لها بفرص الزواج مثلاً حينما يتقدم لها الكفوء ، اليوم هناك ظواهر أجتماعية خطيرة احياناً يطلب من البنت ان تمتنع عن الزواج من الكفوء الذي يتقدم لها بحجة ان لها أبن عم وله الاولوية في الزواج منها حتى لو لم تكن راغبة بذلك مثل هذه السلوكيات وهذه السياقات جعلت حياة المرأة احياناً كالجحيم تواجه الازمة والمشكلة في حياتها الطويلة وعدم الانسجام مع من تعيش معه تحت سقف واحد وتفني حياتها دون ان تعطى الحق ودون ان يستمع لها بأنها تعرضت لعنف او مظلمة وهذه القضية في غاية الخطورة ان معالجة هذه الظاهرة جاءت على نمطين وعلى نحوين وهناك معالجات وضعية كقوانين وسياقات وضوابط في المجتمعات التي تحاول ان تنظم هذه العملية وتحافظ على حقوق المرأة وتقف بوجه تعنيفها ولكن هذه المعالجات جاءت في الاعم الاغلب على شكل معالجات مرحلية او جزئية اوموردية اوانتقائية تعالج جانب من بعض المشاكل وقد يكون جانب من هذه المعالجات قد عولجت فيها مشكلة بوقت ما ليتحول نفس هذا القانون الى مشكلة وعبئ أضافي على المرأة في وقت آخر ، أغلب هذه التشريعات جاءت كردود فعل للتقارير التي يطلع عليها الرأي العام والمشرعون في العالم ويضعوا تشريعات معينة ولكنها تعالج مشاكل جزئية وهناك منحى آخر هو المنحى الإسلامي في معالجة مثل هذه الظواهر لأن الاسلام لا ينطلق من مشاكل جزئية وموردية ويضع حلول وقتية لها وانما يضع النظام الاجتماعي والرؤيا الاجتماعية ونظام الاسرة ويحدد في هذا النظام عملية توزيع الادوار وتكاملها بين الرجل والمرأة فيموضع المرأة ويموضع الرجل كل في موقعه ومحله فتتكامل الأدوار ويصبح للمرأة دور ليس بحسب أشكالية معينة او موقف معين وانما بحسب تصميم هذا الدور للخصائص الذاتية التي وضعت للرجل والمرأة في كل منهما ، يقال ان المرأة ضعيفة وتكون جسدياً أضعف من الرجل كحالة عامة ولكن هذه المرأة الضعيفة بتقدير من الله تعالى لديها طبقة شحمية تحت جلدها فيكون كما تقول بعض التقارير الطبية انها أكثر قدرة على تحمل البرد والحر وما شابه ذلك فلا يمكن أعطاء ضابطة وقاعدة عامة لأن الله تعالى الذي خلق الخلق جعل في الرجل اعتبارات وفي المرأة اعتبارات ومقومات لا يمكن الحديث فيها عن ضعف المرأة او قوة في الرجل بشكل مطلق لأن هناك مجالات يضعف فيها الرجل ومجالات اخرى تقوى فيها المرأة او تضعف كل حسب موقعة واختصاصه وأكبر ظلم للمرأة او الرجل حينما يطرح مفهوم المساوات في الاطار العام وبدون الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات التي تتمايز بها المرأة عن الرجل او يتمايز بها الرجل عن المرأة وهناك فرق بين التميز والتمايز ، التمايز هو توزيع الادوار والتميز هو الافضلية من قال ان الرجل أفضل من امرأة او بالعكس ليس الحديث عن التميز بالأنتساب الى جنس معين التميز لتوفر المقومات ان أكرمكم عند الله اتقاكم ، قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون ، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ، التصدي وتحمل المسؤولية والالتزام بالضوابط هي المسائل التي يفضل فيها الناس بعضهم على البعض الاخر كل من هذه السمات قد تكون للمرأة ولا تكون للرجل ، نحن لا نتحدث اليوم عن التمييز او الافضلية وانما الحديث عن التمايز والاسلام وضع هذا النظام وموضع المرأة وموضع الرجل وأعطاها هذه المسؤولية ضمن الاطر والواجبات التي حددها لها فحقق معالجة عادلة لأشكاليات المرأة .
فيما يخص دور المرأة وتوقيرها واحترامها وكرامتها وعزتها وتعامل الرجل معها من موقع الاب او الزوج او الاخ نجد ان الاسلام ركز على هذه القضية تركيزاً كبيراً في الايات القرانية والنصوص الشرعية الواردة وامامنا كم هائل من الروايات التي جاءت لتتحدث بأدق التفاصيل والجزئيات في شؤون المرأة وفي طريقة التعامل معها ، واليوم هو اليوم الاسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة أسمحوا لي ان أستعرض بعض النصوص لتعرفوا كيف ان الاسلام ركز على قضايا جزئية ولكن ضمن هذه الرؤيا الشاملة وهذا الموقع الحساس ضمن النظام الاجتماعي العام وجاءت هذه التوصيات على لسان أهم رجال الاسلام وهو رسول الله (ص) واهل بيته الكرام (ع) ، فعن الامام الصادق سلام الله عليه " من أحسن بره بأهله زاد الله في عمره " وقول رسول الله (ص) " جلوس المرء عند عياله أحب الى الله تعالى من الاعتكاف في مسجدي هذا " وكذلك قوله (ص) " أني لأتعجب ممن يضرب أمرأته وهو بالضرب أولى منها " كذلك قال رسول الله " من دخل السوق فأشترى تحفه فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج الى غير ذلك من الروايات التي تحدث في هذا المجال .
ولذلك نجد ان الاسلام عالج أسلوب تعنيف المرأة باتجاهين ، الاتجاه الاول والذي أعطاه القيمة الكبرى هو الحوافز الداخلية في احترام المرأة وعدم الاعتداء عليها ، من أراد سعادة الدنيا عليه باحترام المرأة ، ومن أرادة سعادة الاخرة عليه احترام المرأة والجانب الاخر هو الجانب الخارجي بوضع الضوابط التي تنظم العلاقات الاجتماعية وان مخالفة هذه الضوابط يرجع فيها الى القضاء او الحاكم الشرعي وهذه هي معالجة الاسلام لهذا الموضوع ، المرأة نفسها تتحمل قسطاً من المسؤولية في مواجهة هذه الظاهرة ، ونلاحظ ان الحوراء زينب عليها السلام والسبايا من آل الرسول أستطاعوا ان يقفوا بوجه ذلك الاعتداء وان يوقفوه بفعل العديد من القضايا التي لاحظناها واضحة كالأيمان والتوكل على الله ومن يتصل بالله تعالى يشعر بقوة كبيرة هذا اولاً وثانياً الارادة التي هي مطلوبة لمواجهة مثل هذه الظاهرة وثالثاً الصبر والثبات وكذلك الاستعداد للتضحية والتسليم الى الله تعالى التسليم وليس الاستسلام والذي هو تفهم للواقع والتقدير الصحيح للموقف ، ثم الانطلاق لمعالجة هذا الواقع والتعريف بهذا الواقع وأبعاده وسياقاته لذلك فأن مسألة التعريف مهمة وقد لاحظنا السيدة زينب الكبرى في خطبها وحواراتها جعلت السحر ينقلب على الساحر وهؤلاء الذين أعطوا الفرصة للحوراء زينب ان تخطب حتى يظهروا فيها الضعف والوهن ولكنها وظفت هذه الفرصة لبيان الحقيقة مما حرك الناس بالضد من يزيد وحول سبايا أهل البيت من خوارج في نظر الناس الى مقاومين وأصحاب حق وهذه قضية علينا ان نعتمد فيها مثل هذه المنهجية .