وقال الحكيم في كلمته بالملتقى الثقافي الاسبوعي الاربعاء " نعيش في هذه الأيام الذكرى الـ ٣٦ لانتصار الثورة الإسلامية في ايران ، حيث انطلق رجل عظيم ومرجع كبير وقائد فذ هو الإمام الخميني "قدس" بثورة ومشروع أصبح انموذجاً ومحطة للدراسة والتحليل لتميزه عن المشاريع الأخرى " .
وتابع الحكيم " فالإمام الخميني بخلفيته الدينية كفقيه من كبار العلماء ومراجع التقليد اختزل كل هذا الخزين المعرفي للمنهج المحمدي الأصيل ، وتصدى لشؤون الحياة والواقع الاجتماعي والسياسي بواقعية وموضوعية وقدم مشروعاً منسجماً مع تلك الأصالة والخلفية الدينية ومتكيفاً مع الواقع السياسي وتعقيداته التي نعيشها في عالمنا اليوم ، واستطاع ان يبرهن على ان الإسلام قادر على بناء مجتمع وقيادة أمة وتنمية دولة ، كما استطاع ان يقدم نظرية إسلامية في ادارة المجتمع والدولة مع قطع النظرعمن يتفق أو يختلف معه فيها ، ولكنها اثبتت جدارة كبيرة وحققت نجاحاً باهراً " .
واضاف الحكيم " لقد تميز الإمام الخميني {قدس} بالثقة العالية بالله والتوكل عليه والشجاعة في اتخاذ القرارات والإصرار على المنهج وقوة الارادة ، كما تميز بالزهد والتواضع والترابية ، ومثل شخصية قيادية من الطراز الأول وكان له ثقة عالية بشعبه ، وكان يبعث فيهم الأمل ويعتمد عليهم ، وقد بادله شعبه الثقة وقدم له الطاعة والاتباع لتكتمل بذلك عناصر الانتصار والنجاح ، أمة منسجمة ومطيعة لقيادتها وقيادة واثقة بشعبها " .
واردف " لقد كان الإمام الخميني قريباً من شعبه مهما ابتعد جغرافياً عنه في المنافي المختلفة ، فمن السنين الطوال التي قضاها في النجف الأشرف بالعراق إلى فرنسا إلى عودته لإيران حين توجه مباشرة إلى مقبرة الشهداء ؛ ليعطي رسالة واضحة بأن هذه الثورة ما كان بالإمكان ان تنتصر لو لا التضحية ، فالنصر لا يكون الا بالتضحية ، وفي خطابه الأول {قدس} لشعبه بعد ان عاد إلى أرض الوطن تحدث عن ان الإسلام دين الحياة وهو قادر على ان يصنع الرفاه للناس ، وان مساحة الحلال في هذه الحياة أوسع من مساحة الحرام ولو تمسكنا بقيم الإسلام الأصيلة بعيداً عن التطرف أو التشويه نستطيع ان نبني حياة عزيزة وكريمة للشعوب المستضعفة ، وبذلك استطاع ان يؤرخ لولادة إسلامية ، ظن الجميع بأنها لن تولد ، وكان من اشد التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية هي البديل الذي يمكن ان يشغل الموقع القيادي للإمام الخميني .. هذا الفقيه المرجع المحنك ذو التأثير الواسع ليس في إيران وحدها وانما الشعوب الإسلامية والمستضعفة بالعالم اجمع ، ولكن سنن التأريخ تؤكد ان القادة يصنعون قادة وينمون قادة وهو ما كان ، حيث برز الإمام الخامنئي فقيهاً وعالماً وقائداً محنكاً حافظ على مشروع الثورة وأصل فيه وانتقل به إلى مرحلة بناء الدولة ، واستطاع الإمام الخامنئي بحكمته العالية وشخصيته القيادية الفذة ان ويشق الطريق ويتخذ المسارات والاتجاهات الصحيحة " .
وبين السيد عمار الحكيم ان " شخصية الإمام الخامنئي تتسم بالشمولية والعمق وهو ما يكتشفه الإنسان حين يجلس في محضره أو يتابع خطاباته وبياناته ، حيث يجد فيها السعة والدقة والعمق واستحضار الكثير من الملاحظات التي قد تغيب عن الإنسان في رؤيته الاولية للأمور بشؤون المجتمع والدولة والسياسة ، ان شخصية الإمام الخامنئي بالإضافة للبعد العلمي والفقهي والحنكة السياسية والقدرة على ادارة الدولة تتميز بسعة الصدر الكبيرة والقدرة على لملمة الأوضاع ، بالرغم من التعقيدات الكبيرة التي تشهدها الساحة الإيرانية في أوضاعها الداخلية وبحجم الضغوط والحصار الدولي المفروض عليها طوال عقود من الزمن ، ولكن الإمام الخامنئي استطاع بسعة صدره وحكمته ان يحمي الثورة من نفسها ومن اعدائها الخارجيين " .
واوضح ان " القيادة ليست حالة وظيفية وانما معنوية وكلما زادت قناعة الناس بالقائد كلما انشدوا اليه واتبعوه واطاعوه ، وكلما شعروا بالثقة كلما تفجرت طاقاتهم وامكاناتهم الهائلة وبادروا لتحقيق المزيد وهو ما نلاحظه في إيران اليوم ، ان من السمات المهمة التي تميزت بها الثورة الإسلامية هي قيادة المرجعية الدينية لهذه الثورة التي محورها الإسلام بالرغم من حضور التيارات اليمينية واليسارية فيها ، وهي ثورة شعبية اعتمدت على قطاعات الأمة ولم تنحصر بالنخب ، وهي ثورة سلمية لم تحمل السلاح بالرغم من بعض المناشدات التي رفضت بشكل قاطع من الإمام الخميني آنذاك ، وهي ثورة وطنية استندت في كل تفاصيلها على الشعب الإيراني وقيادته من دون الاستعانة بالقوى الأجنبية الشرقية منها أو الغربية ، وهي ثورة حملت مشروعاً متكاملاً لادارة الدولة وقيادة الأمة ولم تنحصر بأهداف مرحلية لإسقاط الدكتاتور ، وهي ثورة اعتمدت على الذات وتطوير القدرات الذاتية والوطنية بعد الثقة بالله والتوكل عليه ما جعلت إيران اليوم من أكثر البلدان تطوراً في المنطقة ، وهي ثورة حققت الوحدة والانسجام بين كافة المكونات القومية والمذهبية والدينية للشعب الإيراني ، وهي ثورة اعتمدت على التنمية الشاملة الثقافية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ما جعلت إيران تحتل مواقع الصدارة في التطور العلمي العالمي ، وبذلك وفرت الأمن والاستقرار ومقومات العيش الكريم والاعمار والازدهار لشعبها ومواطنيها ، وهي ثورة جمعت بين الجانب الديني والمعنوي من ناحية والجانب المادي والمعيشي من ناحية أخرى ، وهو ما نجده من التكاملية بين المؤسسة الدينية {الحوزة العلمية} والمؤسسة الاكاديمية {الجامعات} ، وهي ثورة تبنت الدفاع عن المظلومين والمستضعفين بالعالم وجعلت ذلك مادة دستورية ملزمة للحكومات المتعاقبة في إيران ، وهي ثورة تبنت الدفاع عن القضية الفلسطينية وقضايا المسلمين العامة والوقوف بوجه الاستكبار العالمي ودعم حركات التحرر في العالم " .
وقال رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي " اننا نبارك من جديد ذكرى انتصار هذه الثورة الإسلامية ونتمنى للشعب الإيراني المسلم وقيادته الحكيمة المزيد من التطور والاستقرار والازدهار " .
وفي الشأن العراقي قال السيد عمار الحكيم " لازال الملف الأمني ومواجهة داعش يحتلان الصدارة في الهموم اليومية للمواطن العراقي والمسؤولين في الحكومة والقيادات العسكرية والأمنية بالجيش والشرطة والحشد الشعبي والبيشمركة وقوات العشائر العربية الأصيلة ، والمهم في هذه المعركة ان المبادرة اصبحت بيد الدولة ومؤسساتها والانتصارات تتعاقب من منطقة إلى أخرى ويضيق على الإرهابيين الداعشيين في اكثر من صعيد وجبهة ، المواجهة لداعش تتسع وبجدية اكبر نتيجة الجرائم البشعة التي ترتكبها هذه العصابات في العديد من البلدان ، اننا نؤكد من جديد ان صولاتنا بوجه داعش ستستمر بإذن الله حتى تطهير آخر شبر من تراب هذا الوطن من دنسهم ، ونتحمل جميعاً المسؤولية الشرعية والأخلاقية والوطنية في الوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص بالدفاع عن أبنائنا الأبطال الذين يضحون بدمائهم وأرواحهم من أجل العقيدة والوطن ، وان نعمل جاهدين على توفير مستلزمات القتال والانتصار في هذه المعركة من الدعم اللوجستي والمالي والامكانات والسلاح والعتاد والغطاءات القانونية والسياسية والاعلامية ، فهي معركة الكرامة والشرف وهي محطة الاختبار الحاسمة في مدى وطنيتنا وجديتنا بالدفاع عن الارض والعرض والالتزام بالعملية السياسية والتمسك بالعراق الواحد المتماسك من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ، ولكننا نشدد ايضاً على أن مواجهة داعش لا يمكن اختزالها في الجانب العسكري فحسب وانما نحتاج إلى رؤية متكاملة بهذه المواجهة تمتد لتشمل كافة المجالات ، فنحن بحاجة إلى معالجة ثقافية وفكرية لنبذ الفكر المتطرف والمتشدد واشاعة المفاهيم الإسلامية السمحاء والتي ترتكز على التعايش والانفتاح على الآخر وتقبل الآخر ، ونبذ العنف والتطرف واراقة الدماء وهتك الحرمات حتى نقطع الطريق على هؤلاء المجرمين في استغلال المشاعر الدينية البريئة للشباب المسلم وتصوير ان القتل وسفك الدماء هو طريق الوصول إلى الجنة والسعادة الاخروية ، ونحن بحاجة إلى معالجة مجتمعية تجعل الناس تتحابب وتتعايش وتتكامل مع بعضها وتجمد الثارات الشخصية وتلجأ إلى القضاء والمؤسسات المختصة والقانون في فض النزاعات والخصومات فيما بينها ؛ كي نضمن سلماً مجتمعياً في المناطق المحررة يساعد على عودة النازحين إلى مناطقهم والعيش بأمان وسلام ، ونحن بحاجة إلى معالجة تنموية وخدمية تعيد اعمار المناطق المحررة من داعش وتوفر الخدمات الضرورية والبنى التحتية لها ، وكل ذلك يتطلب الثقة بأبناء شعبنا في هذه المحافظات وتحميلهم المسؤولية بقياداتهم السياسية والعشائرية والنخبوية وعموم المواطنين في حفظ الأمن بمناطقهم ووضع الخطط الناجعة لبناء هذه المحافظات والمدن التي تهدمت بفعل الإرهاب الداعشي ، ليعرف الجميع ان ما نخسره جميعاً من عمليات الاستنزاف والتحريض وأزمة الثقة المتبادلة اكبر بكثير مما نحصل عليه ولا خيار لنا الا القبول بهذا الواقع التعددي والتعايش مع بعضنا والاهتمام بالهواجس والمخاوف المتبادلة وتطمين بعضنا البعض " .
ومضى سماحته قائلا " تابعنا باهتمام المؤتمر الدولي للاستثمار والذي عقد برعاية اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب والمستثمرين العراقيين ومثل تظاهرة مهمة للتعبير عن الارادة الوطنية العراقية باستثمار الظرف الراهن في انخفاض أسعار النفط وتحويل التحدي إلى فرصة للبحث عن وسائل جديدة في تعاظم الايرادات وتسهيل مشاريع الاستثمار ، ومنح المزيد من الأدوار للقطاع الخاص وإزالة العراقيل والبيروقراطية الشديدة المانعة من انطلاقه ، لنعتمد على شعبنا وقدراته الكبيرة ونمنحه الصلاحيات والفرص والثقة ليتحمل مسؤوليته في اطلاق عجلة الاقتصاد فهو الأقدر على ذلك ، .. انني أحيي هذه المبادرة وادعو اللجان المختصة في مجلس النواب والعاملين بالقطاعات المختلفة الصناعية والزراعية والتنموية والخدمية والصحية والتربوية والتعليمية والثقافية وغيرها إلى القيام بفعاليات مشابهة ودراسة الاحتياجات والتحديات والفرص والحلول في كل حقل من هذه الحقول والقطاعات " .
وفي الشأن السياسي قال رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم ان " الأضواء هذه الايام تسلط على قانون الأحزاب في مجلس النواب .. انها خطوة في الاتجاه الصحيح وما لم يُشرع قانون الأحزاب ويُلتزم به ، فمن الصعب ان نشهد انتظاماً في الممارسة السياسية والحزبية بالبلاد ، اننا ندعو إلى دراسة مستفيضة لمسودة هذا القانون والإسراع في تشريعه مع مراعاة جوهر العملية الديمقراطية ، وما تتطلبه من استقلالية للعمل السياسي عن المؤسسات الحكومية وعدم العبث والتدخل في الشأن الحزبي وخصوصياته بما يتعارض مع مهامه المحددة " .
ودوليا فقد قال سماحته " نتابع باهتمام التطورات التي تشهدها جمهورية اليمن الشقيقة وننظر بإيجابية وتفاؤل للاجتماعات المكثفة التي تعقدها القوى السياسية اليمنية ومساعيها في الوصول إلى رؤية شاملة تضمن مصالح الجميع ، ان الإعلان الدستوري الذي جاء لملء الفراغ الدستوري الذي شهدته البلاد والحرص على تحقيق الشراكة الوطنية بين الفعاليات السياسية اليمنية تمثل خطوات مهمة في طريق الوصول إلى عملية سياسية ضامنة لحقوق الجميع ، .. اننا نشدد على ان الحل يجب ان يكون يمنياً ، واليمنيون وحدهم قادرون على تحقيق الوفاق الوطني وتعزيز الشراكة والتعاون فيما بينهم ، وأي تدخل في الشأن اليمني لصالح طرف من الأطراف سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات والإرباك في الوضع الداخلي ، ونتمنى من القوى اليمنية بما نعهده فيها من حرص وحكمة ان ينجزوا هذه المهمة الوطنية الملقاة على عواتقهم بأحسن وجه ونتمنى ان نشهد الاستقرار والامان والازدهار في هذا البلد العربي الشقيق " .