أكد سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي على إن المنظومة القيادية لا ترتبط بالزعماء الذين يقودون شعوباً وأمم فحسب , وإنما يمكن أن تنزل الى أضيق الدوائر القيادية في إطار الأسرة او المصنع او العشيرة ، معتبراً سماحته ان على المسؤول ان يتحلى بالقدرة على حسن تقييم الأشخاص وهذه خصوصية غاية في الأهمية .
جاء ذلك تتمة لاحاديثه السابقة في بحث ( القيادة والإدارة في الإسلام ) , في الجزء الأول من كلمته في الملتقى الثقافي الاسبوعي الذي عقد جلسته الاربعاء ١٣ / ١٠ / ٢٠١٠ , وبحضور جمع غفير من الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية وحشد كبير من مواطني العاصمة بغداد .
كما أشار سماحته في الجزء الثاني من الكلمة الى ان الأزمة التي تعيشها البلاد لا يمكن ان تستمر لامد مفتوح , ولابد من اتخاذ اجراءات جريئة وشجاعه لحلها , مؤكداً ان الازمات والضغوط تفرز للشعوب العديد من المعطيات , وازمة العراق اليوم – على مرارتها – تمثل فرصة يتعرف المواطنون من خلالها على كثير من الحقائق والمواقف والاتجاهات التي لابد من بقائها في الذاكرة ؛ مؤكداً ان الحياة لن تنتهي في بلد كمثل العراق .. وانما ستنطلق .
كما استعرض سماحته عدداً من المحاور المهمة في الواقع السياسي العراقي , وسلط الضوء على نتائج زيارتيه الى الشقيقتين تركيا ومصر , وطبيعة الحوارات التي اجريت مع قادة البلدين .
وفيما يأتي نص الكلمة :
لقد انتهت سبعة أشهر ودخلنا في الشهر الثامن من الانتخابات النيابية ولم تتشكل الحكومة لحد الان وبذلك دخل العراق موسوعة غينس لأنه حقق رقم قياسي فاق كل دول العالم في تعطل تشكيل الحكومة ويا ليت القادة العراقيين والحكومة العراقية كانت تدخل هذه الموسوعة في سرعة الانجاز في خدمة الناس وتحقيق المشاريع التي تحقق الرفاه للمواطنين ولكننا اليوم ندخل هذه الموسوعة في تعطيل تشكيل الحكومة مع الأسف الشديد ان هذه الأزمة السياسية الضاغطة وفرت ظروف لعموم العراقيين كي يتعرفوا على القيادات والقوى السياسية كيف يتعاملون في حل الأزمات وكيف ينظرون الى بناء الدولة وفي إدارة الدولة وفي مدى اتسامهم في المرونة في التعامل مع قضايا الدولة ومدى حرصهم على المصالح العامة ، هذه الأزمة والمحنة والضغوط عندما تمر بها الأمم والشعوب تفرز العديد من الأشياء ، اليوم الناس تتعرف على هذه الحقائق وتجيب عن هذه التساؤلات قبل ان يجيب أي منا على أي تساؤل ، الناس هي التي تقيم وتشخص من الحريص على المصالح العامة ، الناس هي التي تقدر من الذي يتعامل بمرونة في عملية تشكيل الحكومة ، الناس هي التي تفرز من يحمل موقع بناء الدولة ويعمل من اجل بناء الدولة دولة المؤسسات .
انها فرصة مهمة لهذا التمييز وهذا الفرز ، الحياة لم تنتهي وسوف لن تنتهي بأذن الله في العراق وإنما ستنطلق الحياة في هذا البلد ولكن المهم ان نتعرف على المواقف وان نبقيها في الذاكرة لكي نتعامل مع الظرف الواقع والظروف التي في هذا البلد على أساس انطباعاتنا. ان هذه الأزمة لايمكن ان تستمر لأمد مفتوح ولابد من اتخاذ إجراءات جريئة وشجاعة لحلها , سيما وان جميع الإطراف السياسية الكريمة متفقة على ثوابت ومحددات أصبح الجميع يتحدث بها .
اليوم نسمع من الجميع انه يتحدث عن الشراكة الوطنية ، الجميع يتحدث عن تطمين الشارع العراقي بكل توجهاته ، الجميع يتحدث عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ، الجميع يتحدث عن بناء دولة المؤسسات والقانون ، الجميع يتحدث عن الانفتاح العربي والإسلامي والدولي للعراق، الجميع يتحدث عن ضرورة الحوار بين الأطراف السياسية وصولاً الى نتائج حاسمة تضع حد لهذه الأزمة وتعالج مشاكل البلد ، الجميع يتحدث عن الوصول الى رؤية محددة وبرنامج واضح ضمن اولوليات محددة لإدارة الحكومة في المرحلة القادمة . ان هذه العناوين وغيرها تمثل الإطار الصحيح الذي علينا ان نجتمع عليه ونتوحد عليه ونجعله أساساً في الخطوات المتبقية في عملية تشكيل الحكومة ، ان كل هذه الثوابت وكل هذه المشتركات كافية لجعل جميع الأطراف السياسية تجلس على طاولة مستديرة وموحدة لمواقفها ورؤيتها واتخاذ الخطوات في تشكيل الحكومة ، اننا نجدد موقفنا المبدئي الواضح في إننا لم نكن ولن نكون عنصراً معرقلا او معطلاً في عملية تشكيل الحكومة , فأي خطوة او أي جهد كريم يبذل خلال هذه العملية وكل من له القدرة على تشكيل الحكومة بارك الله في جهده ليمضي ويشكل حكومة ، كل من يتمكن ان يحشد الغالبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب ليمضي ويشكل هذه الغالبية ويشكل حكومة تحظى باحترامنا وتفهمنا وانسجامنا مع هذه الحكومة، ولكن مشاركتنا بأي حكومة قادمة انما ترتبط بفرص النجاح ولا نجاح دون الالتزام بهذه الثوابت والمعايير المتفق عليها أساسا بين كل الأطراف.
كيف لنا ان نحقق نجاحاً دون ان نحقق شراكة حقيقية، كيف لنا ان نحقق نجاحاً دون ان يكون هناك التزاما بين الأطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية ، كيف لنا ان نحقق نجاحاً ونحن نفتقد للبرنامج الواضح والأولويات المحددة في إدارة البلاد في المرحلة المقبلة ، كيف نشارك في حكومة نتقاطع فيها في اليوم الثاني وكل يجر النار الى قرصه وكل من يدفع البلاد الى ما يعتقد انه يخدم المصلحة الوطنية ، وتتقاطع الرؤى والمصالح ويبقى المواطن ومصالحه معطله ومشلولة بتقاطع هذه الرؤى وهذه ليست قضية معقولة ، نحن لا نعطل او نقف بوجه أي مشروع قادر على ان يشكل حكومة ولكن نشارك في حكومة ناجحة والنجاح متوفر بتوفر هذه المعايير .
لقد قمنا بزيارة هامة الى بلدين كبيرين مهمين في المنطقة هما الشقيقتين تركيا ومصر وهما بلدان محوريان في المنطقة ، الشقيقة تركيا جارة مسلمة لها تأثيرات في المنطقة ولها اهتمامات إقليمية متزايدة ولها اهتمام خاص بالشأن العراقي وتبادل المصالح مع العراق والجارة مصر والقريبة لنا في المنطقة وان لم يكن لنا جوار مباشر معها الشقيقة مصر هذه الدولة الكبيرة والتي لها تأثير في المنطقة والوطن العربي والتي يتطلب مد الجسور وفتح الحوار معها ، وكانت فرصة مهمة في ان ندخل في حوار معمق مع قيادات هذين البلدين الكبيرين ، وأيضا انتهزنا هذه الفرصة واستثمرنا وجودنا في هذين البلدين الكريمين في مخاطبة الشعبين التركي والمصري عبر وسائل الإعلام لاستبيان وجهة نظرنا وتوضيح طبيعة التعقيدات التي نعيشها في واقعنا العراقي ولاسيما هناك الكثير من التساؤلات التي تطرح ، ما الذي يحدث في العراق حتى يصبح العراقيين غير قادرين على تشكيل الحكومة؟ والسؤال المطروح اليوم في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم برمته يبحث عن الاجابة المناسبة والملائمة ولذلك استثمرنا حضورنا لنشرح ونوضح وجهات نظرنا في هذه القضية.
ان مثل هذه الزيارات تعطي رسالة واضحة للتعبير عن مدى رغبة الشعب العراقي في الانفتاح على محيطه الإقليمي والعربي وأشعار دول المنطقة بأن العراق لا يريد ان يعيش بمعزل عنهم وإنما يريد ان يرسخ هذه الحقيقية بأنه جزء من المنظومة العربية والإسلامية والإقليمية، نريد ان نسمع من أشقائنا العرب والمسلمين في المنطقة كيف يرون الواقع العراقي وكيف يقيمون المشهد العراقي وكيف ينظرون الى مصالحهم في التعامل مع العراق وكيف يترجمون المصلحة المتبادلة بينهم وبين العراق، وأيضا نسمعهم وجهات نظرنا وآراءنا وتصوراتنا ، ان مثل هذه اللقاءات والحوارات مهمة للغاية لأنها تقرب وجهات النظر ولاسيما مع وجود الكثير من التهويل والتشويش الإعلامي في هذه المجالات ولكننا في كل زيارة وكل لقاء نستحضر الإطار الذي تتم به هذه الزيارات نستحضر الإطار الذي يجب ان تتأطر به هذه اللقاءات، هذا الإطار الذي نلخصه بالسيادة الوطنية العراقية، والقرار بخصوص تشكيل الحكومة القرار بأي خطة تتخذ في هذا البلد يجب ان يكون القرار عراقياً يصدر من العراقيين على الأراضي العراقية وعلى أساس المصلحة الوطنية العراقية، فالمشاورات كلها طيبة ومطلوبة ومفيدة ولكن دون ان تدخل الى حيز تجاوز هذا الإطار ويتقاطع مع السيادة الوطنية للعراقيين ، إننا في مثل هذه الزيارات لا نناقش تفاصيل عملية في تشكيل الحكومة ولا نتحدث عن طرح أسماء ومرشحين لأن هذه التفاصيل تخص العراقيين ، الشعب العراقي والقوى السياسية هي التي عليها ان تشكل الحكومة وليس لأي بلد آخر مع احترمنا لجميع البلدان وكل أفكارهم وتصوراتهم وكنا سعداء عندما سمعنا هذه الرؤية من القادة الرئيس مبارك والرئيس غول ورئيس الوزراء اردوغان وغيرهم من الذي التقيناهم كلهم أكدوا على هذه القضية وقالوا اننا لا نتدخل في شؤونكم هذه قضية عراقية انتم تقررونها انتم تجلسون فيما بينكم وتشكلون حكومة وتتخذون أي قرار يخص شؤون بلادكم وشكرنا لهم هذا الموقف وقلنا لهم نحن أيضا نرى هذا الشيء ، شؤون العراقيين يجب ان تدار من قبلهم وليس من قبل أي طرف آخر.
كما استثمرنا الحضور في مصر لزيارة الجامعة العربية هذا المكان الكريم الذي يرمز الى عروبة العرب جميعاً وهو الخيمة التي تضم العرب جميعاً ونحن عرب ولنا اعتزاز كبير بعروبتنا وانتمائنا القومي ، كما اننا نحترم ونقدر ونعتز بكل القوميات الكريمة الكرد والتركمان والكلدواشوريين والشبك وغيرهم ، كل القوميات محترمة ومقدرة في بلادنا ولكن من حقنا ان نعتز ونعبر عن هذا الاعتزاز لانتمائنا القومي وكوننا عرب معتزين بعروبتنا ، وكانت الجامعة العربية هي المظلة التي نجسد فيها هذا الانتماء وهذا الاعتزاز وكانت فرصة للمداولات المعمقة حول الشأن العراقي وتعرفون جيداً حجم التشويش والرؤية المغلوطة والتصورات الخاطئة التي أريد لها ان تفرض على الأصدقاء العرب والأشقاء المسلمين في المنطقة وعلى العالم برمته ، هناك من يريد ان يفرض رؤية منحازة على الوضع في العراق و اعتقد ان الإحجام عن هذا التواصل فرض رؤية احادية منحازة على الوضع العراقي في هذه الأروقة ، ونحن نعتقد ان الإحجام عن التواصل مع هذه المحطات المهمة أمر خاطئ ، لماذا نحجم عن الذهاب ونجلس ونتحاور ونتحدث بالحجة والبرهان والدليل ونمتلك الحقانية في المشروع ونمتلك الرؤية الواضحة التي يمكن ان نقدمها ، نحن ندافع عن قضية شعب وعن امة لها كل هذه الانجازات المهمة واليوم نقف سداً منيعاً امام كل هذه الضغوط التي نتعرض اليها ، ونحن حينما ندافع عن الشعب العراقي فأننا نقف مرفوعي الرأس وبيدنا الحجة والدليل والبرهان فلماذا نحجم او نتردد في الاتصال بهذه المحطات المهمة ، اعتقد انه كان مهماً ان نذهب ونجلس في الجامعة العربية ونتحدث مع الأشقاء هناك في كل التفاصيل .
كذلك كانت لنا فرصة ثمينة أن نلتقي في مشايخ الأزهر الشريف ، حيث التقينا في فضيلة الشيخ احمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وناقشنا معه تفاصيل كثيرة حول العلاقات الثقافية والدينية والإسلامية بين الشقيقين ، وكما نعرف ان للأزهر تأريخ طويل لبث رسالة التسامح والانفتاح على المذاهب الإسلامية جمعاء وكان له السبق في هذا المجال ، واليوم في الأزهر نجد المذهب الجعفري واحد من المذاهب التي يفتى على ضوءها في دار الإفتاء وهو معترف به وهذا شيء مهم .
ان هذا المنهج الانفتاحي المعتدل السمح ينسجم تماماً مع حوزاتنا العلمية ومع مناهج مراجعنا العظام ولذلك لا بد لنا من التواصل وتعزيز العلاقة بين الزاهر الشريف والحوزات العلمية ومع كل الأروقة والمحطات العلمية والدينية في العراق والوطن العربي والعالم الإسلامي وان مثل هذه اللقاءات تساعد وتساهم في التقريب بين المذاهب الإسلامية وإبعاد مجتمعاتنا عن الأزمات والفتن الطائفية بين المذاهب وغيرها لأن تعدد الطوائف نعمة عظيمة وانها مقدرة ومحترمة والكل له رؤيته وقراءته وهذه القراءة محترمة ومقدرة .
ان تعدد الطوائف نعمة ولكن الطائفية نقمة ، ان يسيء الإنسان الى الآخر او يعتدي على الآخر او يتطاول على الآخر او يستهين بعقيدة الآخر هذه طائفية مقيتة ، اما تعدد الطوائف فأنها نعمة عظيمة لأنها تعبر عن حرية العقيدة وعن طبيعة ما ندين به لله سبحانه وتعالى ما يدين به الإنسان لربه .
ان مفهوم الخدمة الوطنية من المفاهيم الأساسية التي يتحدث عنها الجميع ولكن سياقات العمل اليومية لا تشير الى هذه الخدمة ، اليوم مجمل السلوك العام يوحي بدولة المسؤول وليس دولة المواطن ، الامتيازات والخدمات والصلاحيات والقرارات تتخذ من المسؤول اما المواطن فله الله ، ولا احد يقف طويلاً ويفكر بهموم المواطنين اليوم أكثر ما أسمعه من المواطنين ان المواطن عندما يدخل الى الدوائر الحكومية في الكثير من الحالات يجد الموظف او المسؤول غير متفاعل في تمشية معاملاته الإدارية وعليه ان يقدم عطاءات مالية حتى تنجر هذه المعاملة او تلك، انه شيء مؤسف للغاية في بلد كالعراق يعتز بالقيم الوطنية والإنسانية، ولكن هكذا يكون التعامل عندما يدخل الإنسان البسيط لانجاز معاملة او أي قضية يشعر بإحراج كبير ولا يستطيع انجاز معاملة الا بالعطاءات المالية ووساطة لهذا وذاك من الناس ويقولون له راجعنا بعد شهر او شهرين ويبقى اشهر طويلة يذهب ويأتي حتى تنجر المعاملة او لا تنجر، هذه ليست حكومة الخدمة الوطنية ، المواطن يدخل عزيز الى أي دائرة والمسؤول او الموظف في أي دائرة من واجبه قضاء حاجة المواطن وتسهيل مهمته وهناك تفاصيل كثيرة وكثيرة ويخجل الإنسان ان يستعرضها ، واننا نرى اليوم مشاريع صيانة المجاري او بناء المجسرات نجد ان هذه المشاريع تطول مدتها وتصل الى ثلاث او اربعة سنوات دون توفير البديل عن هذا الشارع وذلك يصيب مصالح الناس بأضرار بيئية وصحية على كل الناس المقيمين في هذه المنطقة ويبقى الناس في عناء وعناء لأشهر وسنوات والازدحامات والاختناقات المرورية والمشاكل الصحية وما يرافقها من مشاكل المفروض إيجاد الشارع البديل والفرصة البديلة ، وفي دول كثيرة في العالم انأ زرتها شخصياً البناية تبنى وتغلف والمواطن يمشي على الرصيف دون ان يصيبه مكروه ، اما في بلادنا فهذه المشاريع طيبة ولا ننكرها ونريد المزيد منها من مجسرات وشبكات الصرف الصحي وما الى ذلك ولكن يجب وضع المقاييس التي تضمن خدمة المواطن وتراعي مصالح الناس في كل صغيرة وكبيرة