وكان لفشل المشروع المعارض في العراق بكل اشكاله القومي والاسلامي والعلماني (اللیبرالي) في اسقاط الطاغیة ودخول المستعمر الی البلاد دوراً في ایجاد هذه الحالة من التشظي الافقي مجتمعیاً وسیاسیاً... فاصبحت الفوضی الخلاقة هي السمة في كل الوقائع والظواهر والشخصیات حتی...
وبعد ان كانت هناك اصطفافات كبری تتلاشی بداخلها الجزئیات اصبحت الاصطفافات علی المستوی الفردي والشخصي، فأنكشف المستور وظهرت للصدیق والعدو العورات وهذه سنة الله عزوجل في خلقه«ان تنصروا الله ینصركم» والعكس ایضاً من سننه التي ابتلینا بها.
في الآونة الاخیرة ظهرت كتابات للمفكر العراقي غالب حسن الشابندر( ابوعمار) اثارت جدلاً واسعاً في الوسط العراقي والاسلامي بشكل عام وتفرق الناس ازاءها بین مؤید ومعارض فیما اكتفی البعض بقول«لا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظیم» هذه المذكرات التي سماها الكاتب «خسرت حیاتي» او التي سمتها بعض المواقع « اسرار حزب الدعوة» واضاف علیها البعض « الحاكم في العراق» اری انها جزء من الفوضی الخلاقة، لكن مصدرها هذه المرّة لیس الادارة الامیركیة بالطبع، بل النفوس المأزومة والشخصیات القلقة التي حولت الفكر الی مادة لتصفیة الحسابات الشخصیة وجعلت من تاریخ التحرك الاسلامي في العراق مادة للوصول الی مطامعها الشخصیة وسبیلاً الی ارتقاء السلّم الوظیفي وزیادة الدخل!
ولا یهمني هنا الدفاع عن الجزء الذي یتطاحن معه الشابندر في الجسد التاریخي للحزب، بقدر اهمیة الدفاع عن ذلك النفر الذي قدم كل ما یملكه للأسلام اولاً وللدعوة ثانیاً ولم یسع ـ لا في الماضي ولا في الحاضر ـ الی ما سعی الیه وتقاتل عليه الآخرون..
بالنسبة لي اجد من الضروري الدفاع عن اولئك النفر الذین خاضوا غمار الموت مرات ومرات دفاعاً عن مبادئهم ودینهم في مقابل الفئة التي ینتمي الیها الشابندر وغرمائه علی السواء... فهؤلاء في وادي واولئك في واد آخر، هؤلاء اعلامهم الشبوط والموسوي وخضیر الخزاعي وسامي العسكري وموفق الربیعي والشابندر بالطبع، من الذین تقرأون اسماءهم وترون صورهم في التلفیزیونات وعلی مختلف مواقع الانترنت الصدیقة والمعادیة! واولئك الذین لم تسمعوا بهم ولن تعرفوا حقیقة ایمانهم وتضحیاتهم من امثال: ابي ذكری وابي باقر والشیخ سلام وعبد الخالق وابي عماد وابي حیدر الفدائي وابي حیدر الشاعر وابي جهاد وابي جابر وابي اشرف وابي دعاء وابي صمود وعشرات آخرین لایزالون حدیث محافل الذین ظ’لموا والمنسیین الذین تصدق علی بعضهم"بالدمج" وبفتات خیرات العراق، في حین كانوا هم اول واكبر المضحین له في زمن شحّة الدم وقلة الناصر واخفاء فلذات الاكباد عن ملك الموت الذي كان یفتك بألاجساد لیخلص الارواح ویسمو بها الی بارئها..هناك عند ملیك مقتدر...
وقد یكون من المبكر ان یكشف الانسان جمیع اوراقه بهذه السرعة، خاصة اذا كانت في موقف رد فعل ازاء فعل الآخرین وهو لیس علی قناعة بالخوض في هذا المضمار لاعتبارات عدیدة... لكني اراني مضطرا الی بعض ذلك للدفاع عن فكرة او تاریخ یخصني وفقاً لما اراه شخصیاً، ولست هنا بصدد تصویب الفكرة او التاریخ- علی طریقة الشابندر-.
لقد انتمیت الی حزب الدعوة علی صغر من سني وقرأت ادبیات الحزب وتحلیلاته التي قد یكون الشابندر وغیره كتبها في تلك المرحلة.. ولم اكن یوماً من الدعاة الذین یكتفون بفتح الافواه لیسمعوا ما یملیه علیه مسؤولهم الحزبي من قناعات مسؤولیه وقناعاته.. بل كانت الحلقة بالنسبة لي حلقة نقاش لأتوصل من خلالها الی قناعة ومن ثم الی عمل...لذلك لم یدم عمري الدعوتي اكثر من عقد من الزمان، فخرجت صدیقاً مرفوع الرأس كما دخلته مجاهداً مرفوع الرأس... وقد عاشرت وعملت مع العدید ممن كتب عنهم الشابندر، بالطبع هنا اشیر الی حقیقة مرة كنا علی علم كامل بها منذ ذلك الحین... كان لدینا نوعین من الدعاة... مجاهدون عاملون، كانوا عماد العمل الجهادي، ضحّوا بالغالي والنفیس من أجل دینهم ووطنهم ومبادئهم، فأستشد من استشهد منهم وبقي من بقي، وجلّ هؤلاء الیوم بعیدون عن كعكة السلطة التي لطخت ایدي وافواه وجیوب كثیرین من الخط الثاني، وآخرون كانوا دعاة المراكز الثقافیة والمركز الاعلامي والحوزة ( مع احترامي للكثیر منهم) ولهؤلاء بغض النظر عن تاریخهم قبل الهجرة الی ایران وغیرها من المنافي، كانوا عالة علی الحزب اكثر مما كان یلزم ان یقدموه.. هؤلاء دعاة التنظیر و« دگ الفچ» وجماعة« ابو حبل» كما تصفهم الامثال العراقیة، واری ان المعركة بالدرجة الاولی الیوم بین هؤلاء الذین منهم المفكر والداعیة والكادر المتقدم، ابو عمار الشابندر، او غالب حسن الشابندر...
اذاً هي معركة قدیمة بثوب جدید لكنها ظهرت اشد ضراوة واكثر عمقاً، لأن الذي یتقاتلون عليه اكبر في نظرهم، مناصب واموال وسلطة ووجاهات ... لذلك اطمئن القارئ الكریم ان الكثیر من كوادر الجهادیة في الدعوة بعیدة عن هذا اللغط، بل ان هؤلاء الجماعة (جماعة دگ الفچ) لم یسمعوا بأغلب المجاهدین الذین كانوا مادة اعلامهم في جریدة الجهاد... مجاهدوا قوات الشهید الصدر الذین سطروا ملاحم حقیقیة في ساحات القتال والجهاد ضد الطاغیة وتخضبت بدماءهم ارض العراق من شماله الی جنوبه، وبقیة السیف منهم الیوم هم ابعد ما یكونون عن هذه السجالات التي نسمع بها بین « الكذاب الاشر» و« دنفش» و«اللیبرالي» و« صاحب الید التي تتوضأ لا تسرق» و« شیخ الدعوة» وهلم جرّ...
اعود لاتحدث عن ما نشره الاستاذ غالب الشابندر في حلقاته المسمات« خسرت حیاتي»، ولي علیها بعض الملاحظات:
١- الملاحظة المنهجیة: الحقیقة ان عنوان الحلقات یوحي بأنها مجرد مذكرات، والمذكرات غالباً ما تتجاهل عمومیات القضایا لتدخل بتفاصیلها بنسق زمكاني.. وهو ما لانجده في هذه المذكرات المقتطعة والتي لا یتحدث فیها الكاتب عن نفسه، بل یتحدث عن مآثره وعن اشكالیات الآخرین، فهي بالتالي منبر وعظي یحاول الكاتب من خلاله الوصول الی الملاحظة الثانیة.
٢- في هذه الملاحظة، نشاهد الكاتب یسعی بكل جهد الی التملص من تاریخه ومنظومة علاقاته التي أخذ ینتقدها الیوم، في حین ان المجزرة او الجریمة التي یدعیها في استغفال الدعاة والمجاهدین والشعب، كان هو مشاركاً فیها، بل هو حلقة اساسیة فیها مع بعض الاخوة الآخرین( ولا ارید هنا ان ازید من دائرة الاعداء!).. وفي هذا الاطار نراه یؤكد كثیراً علی مقولة ضد الوعي والاستحمار التي مورس ضد جسد الدعوة وهنا نصل الی الملاحظة الثالثة.
٣- لماذا كل هذا التأكید من الكاتب علی طهره ونقاءه ونجاسة الآخرین ومكرهم وانانیتهم و...الخ؟ لماذا كل هذه النرجسیة؟! ألیست هذه الحالة جزء من مشاكل الدعوة ؟ فكل مسؤول فیها وكل قیادي یعتبر نفسه هو الوریث وهو المالك للدعوة ودعاتها وتاریخها وبمجرد ان یختلف مع الآخرین اما یبدء بالشتیمة والزعل الی حین استرضاءه بأمتیاز او یؤسس حركة وتیاراً جدیداً ويشق الدعوة الی ملل ونحل جدیدة... لماذا لم یتحدث ابو عمار عن نفسه كأنسان فیه الخیر والشرّ لنصدق ما یقول! علی الاقل.
٤- في تقییمه للعدید من الشخصیات یتجاوز الشابندر لغة النقد، لیمتهن لغة الشتیمة، وفي هذا الصدد لا أجد اي معنی ان ینساق مفكر الی هذه اللغة «الضحلة» في التعبیر، انا شخصیاً كنت اصنفه من النوع الذي یتسامی عن مثل هذه المواقف والالفاظ حتی لو كانت في اناس یستحقونها (ولعل العدید منهم حسب تجربتي الشخصیة في الدعوة یستحقونها)...
انه تعبیر عن حالة ازمة یعیشها المفكر الاستاذ الشابندر، ولعل العنوان المرادف لـ «خسرت حیاتي» هو« مذكرات شخصیة مأزومة».
٥- لذلك - الملاحظة الاخری- یكون من المفارقة ان نضفي علی السجالات الشخصیة صبغة فكریة، فنكثر النقل من هذا المفكر او ذاك... وارجو من الشابندر ان یكون صادقا مع قراءه، لنحیّد الفكر عن الحرب علی المناصب والتلاعن علی الاموال... لكم اموال الدنیا ومناصبها واتركوا المساكین الذین یلتذذون بالافكار في غیبوبتهمً.
٦- ولعل اسوء ما قرأته في هذه المسمات مذكرات هو «الجزمیة» و«الاحكام المطلقة» التي یطلقها الشابندر یمیناً وشمالاً.. وبصراحة لم افهم مرامه من بعضها«الید التي تتوضأ لا تسرق» نعم .. الصلاة تنها عن الفحشاء والمنكر.. لكن من قال ان جمیع المصلین ینتهون عن الفحشاء والمنكر..ألم یكن هناك مصلین وقیادیین تذهب انفسهم حسرات علی سكرتیره طبیب او طبیبة وعلی أمرأة قد یكون لدیه من هي اجمل منها بكثیر!!... ألا یقول الباري قولوا لا اله الاّ تفلحوا... فكیف یدخل النار كثیرون ممن قالوها؟ً. ما معنی هذه الحملة المسعورة علی التدین والاسلام السیاسي من شخص یعتبر كادر متقدم في حزب اسلامي؟! .. اجل من حقك ان تنقد المتسترین بالتدین، وهؤلاء عادة من الطبقة التي تعاملت انت معها.. فتجربتك الشخصیة یجب ان تدرس من الناحیة الاجتماعیة والنفسیة بمعزل عن تجارب الآخرین.. لأن بیئتك یا سیدي العزیز لا تمثل كل البیئة المتدینة حتی تطلق احكاماً بهذه القسوة وهذه الجزمیة غیر العلمیة علی كل التجارب الاخری...
٧- والملاحظة الاخیرة هي سؤال یرد في ذهن كل من یقرأ تلك المذكرات: لماذا الآن ایها الاستاذ والمفكر الشابندر؟! هل لذلك ارتباط بالمرحلة القادمة من العملیة السیاسیة؟! هل ترید ان یشطب العراقیون علی مرحلة لیدخلوا مرحلة جدیدة شعارها الاسلام اللیبرالي؟! ما هي الاجندة التي دفعت بك الی هذا النوع من الهدم، دون ان تقدم لنا حلّاً واضحاً؟!
ام انه مجرد افلاس آمال ونهایة احلام كان یتصور احد ابرز مفكري الحزب تحقیقها في المرحلة الرابعة من السفر الدعوتي، مرحلة السلطة لكنها تلاشت و«طارت» علی ید رفاق الامس والشركاء في « گعدات دگ الفچ» الذین نسوا الرفقة وخانوا الصحبة بمجرد ان تحول احدهم بین لیلة وضحاها الی «دكتور» و« سیادة النائب» و« معالي الوزیر» و« دولت رئیس الوزراء»!
قد نتجنی علیك في الاتهام لكنه سؤال من حقنا ان نوجهه لكي لا نخسر ما تبقی من حیاتنا، كما خسرت انت حیاتك!