ولو تمحصنا الأمر في اللعبة السياسية العراقية , سنجد ان بعض سياسييها , قد غض الطرف عما يسمى بــ (التنافس الخدمي ) ليعمد الى ما هو كائن , في النموذج الثاني , فالقتل والاغتيال والتفجير والتهجير , والتسقيط الممنهج للآخرين , أمورٌ باتت من ابرز معالم البعض للوصول إلى السلطة , اما البعض الأخر , فقد ارتفعت عنده نسبة الشرف نوعا ما , حيث جنح لاستحداث وسائل خاصة به تكفل له , حصد أكثر عدد ممكن من الأصوات الانتخابية , التي تمنحه الوصول الى المنصب , والتشبث به من خلال العمل على ما يسمى (خلق الأزمات , وتسويق المنقذ ) وهو احد الأساليب ( الديـماغوجـية ) التي يعمد متبعها الى خلق وافتعال أزمات معينة في البلاد , الغاية منها , إرباك المواطنين وترويعهم , وإدخالهم في دوامة من التوقعات والتحليلات والتخوفات , مما ستفضيه هذه الأزمات , من نتائج تعود عليهم سلبا .
وقد شهد العراق في السنوات الأخيرة , أمثلة كثيرة على هذا الأمر , اغلبها كانت تتمحور حول الأزمات السياسية المفتعلة وما يتخللها من صناعة العدو الوهمي وووووالخ من الأمور التي لم تتعدى التسمية والمحتوى السياسي , لكن عصر السرعة الذي نعيش به الآن , يفرض وجود التطور في جميع المفاصل , سواء كان تطورا ايجابيا او سلبيا , وهذا ما دفع مفتعلي الأزمات (تماشيا مع التطور ) لتحويلها من سياسية الى معيشية , تستهدف المواطن بالصميم ..! أخرها ما أصدره مجلس رئاسة الوزراء من قرار يقضي بإلغاء مفردات البطاقة التموينية , وإبدالها بمبلغ , لا تساوي قيمته ( كارت موبايل ) يصرفه ابن المسؤول في ليلة من ليالي اتصالاته العاطفية.....!
ولعلي أكون مصيبا , حينما اعتقد بنجاح هذا الصنف من السياسيين , في أزمتهم الجديدة هذه , التي سرعان ما تحولت الى حديث الساعة , بين شرائح المجتمع بمختلف مسمياتها وحيثياتها , والتي أضحت لا تملك موضوعا غير مفردات البطاقة التموينية , ومسالة الغائها وإبدالها , ناهيك عن حيازتها على العناوين الرئيسية في مختلف وسائل الإعلام المقروءة منها والمسموعة والمرئية , حيث أمست هذه الأزمة أمرا مهولا , ووحشا كاسرا , ينتظر المواطنون هجومه بين الفينة والأخرى , الأمر الذي جعل الشعب العراقي , وعلى راسه المرجعية الدينية , وشرائح المجتمع الثقافية , تنتفض غاضبة , وخائفة , من هذا القرار المشؤوم , الذي يعد ضربة قاصمة , توجه لكرامة المواطن , وما تبقى له من حقوقه المهدورة , وهذا ما يريده بالضبط صانعوا الفبركة التموينية ...! فهم يتمنون وصول الشعب الى مراحل متقدمة من اليأس والإحباط , والعصف بالأفكار , والاستنزاف في التفكير, والتشدق ببصيص من الأمل المفقود , جاعلين المواطن في الوقت ذاته , ينتظر من يبادر لإنقاذه , من هذه الأزمة التي ألمت به , وضيقت الخناق عليه , مستغرقين في هذه الأمور , بعض الاسابيع والشهور , التي تمنحهم الوقت الكافي لإشباعها , دعاية وتحليلا وإشاعة وتفصيلا وتهويلا , لحين الوصول الى الوقت المناسب , الذي لم يخرج من حساباتهم الثعلبية , والذي نستطيع تحديده وحصره بــ (وقت ماقبل الانتخابات ) حينها ياتي دور (المنقذ ) والقائد الهمام ( روبن هود ) الذي اعتاد تمثيل هذا النوع من المسرحيات , ليطل على الشعب المغلوب على امره , من خلال شاشات التلفاز , ويعلن بكل شجاعةٍ مصحوبة بوقاحة , وجرأة مصحوبة بنفاق , انه قد عمد الى إلغاء هذا القرار سيء الصيت , الذي لا يتوافق ومصلحة الشعب العراقي الذي تهمه كثيرا....! وانه سوف لن يتراجع عن قراره هذا , مهما تطلب الأمر , فإسعاد الشعب ورفاهيته , هي من أولى أولوياته...!
بعدها سنشهد إعلاما يُسخر , وأبواقا تُزمر , وطبولا تُقرع , وحناجرا تصدح , واصواتا تتعالى هنا وهناك , وهي تنادي باسم رجل المرحلة , والمنقذ الذي أنقذ شعبه , من دمار كان سيحيط به , ويبدأ تسويق هذا المنقذ لشرائح المجتمع , وباليات مدروسة , تكفل لهم , إيهام المواطن , والضحك عليه , وبهذا يكون مفتعلو الأزمات , قد وصولوا لما كانوا يرومون الوصول اليه , بألاعيبهم الدنيئة هذه.......! وترجع حليمة لعادتها القديمة , اما حال الشعب فهو كالمثل القائل (تيتي تيتي , مثل ما رحتي , اجيتي ) ...!
لكن يبقى السؤال الأهم , هل فعلا ستنطلي هذه اللعبة على أبناء الشعب العراقي....؟
ولو وجد لها مصداق على ارض الواقع , وثبت صحة ما ذهبنا اليه , فهل يا ترى سيسامح هذا الشعب , من تلاعب به , دون اي اعتبار له......؟؟؟
أسئلة لا يجيب عليها الا المواطن ذاته