وصلت الرسالة ، وختم تجمع تاسوعاء السنوي شعائره ، وقد وفى المؤمنون بعهدهم متوافدين الى الساحات في وقت واحد في بغداد والمحافظات ، بهتاف واحد وموقف واحد ، هذا التجمع ليس مبادرة تقليدية لتيار شهيد المحراب ، هو محاولة لجعل رسالة ثورة الحسين حية متحركة في اوساط العراقيين ، وتصحيح الفهم القاصر لهذه الثورة التأريخية ، الحسين (ع) ثار معترضا ومناديا باصلاح النظام السياسي الفاسد وتغييره بالقوة ، ولو فهم المسلمون رسالة الحسين (ع) بهذه الطريقة لما سقطت دولة المسلمين وتمزقت واصبح المسلمون عبيدا للدول العظمى ، ولما تعرضت تلك الدولة التي كانت تحكم العالم الى الغزوات المغولية والغربية ، ولما اصبحت من الأمم التابعة بعد ان كانت أمة رائدة ، المفروض منذ سنة ٦١ هـ وجود نخبة من المؤمنين شعارها الاصلاح والتغيير ومواجهة الطغاة باستمرار ، اخطر ما واجهه المستعمرون والحكام الطغاة في البلدان الاسلامية المحتلة هو شعائر محرم ، كانوا يرونها احياء للثورة وتحريضا ، لذا واجهوها بوسيلتين ، الاولى : القمع المباشر بقتل وسجن وتعذيب الزوار واصحاب المجالس والمواكب ، ومنع تلك الشعائر بالقوة ، اما الوسيلة الثانية فهي تحريف وتغيير معنى ثورة الطف بجعلها مناسبة طقوسية وليس شعائرية ، اي كجزء من مظاهر الفلكلور الشعبي ، يمارس فيه الانسان جلد نفسه ، وتحويل الثورة الى بكائيات وقصة مأساوية حافلة بالدموع وتركها تدور في هذا الجانب الاحادي ، وافراغها من محتواها الاصلاحي السياسي ، بالشكل الذي لايؤذي الحكومات ولا يؤدي الى طرح الاسئلة الكبرى : اين حقوقنا ؟ اين العدالة ؟ اين الاسلام ؟ كان بوسع الامام الحسين (ع) ان يتخذ له مسجدا في المدينة او الكوفة او خراسان او مصر ويصلي الجمعة والجماعة ويلقي الخطب الاخلاقية واذا سأله الناس عن احوال السلطة يقول لهم : لا علاقة لي بالسياسة ، لكنه لم يفعل ذلك لأن ثورته حركة تصحيح ، اوضح من خلالها اسرار الانحراف ثم قدم معالم البديل ، ثورة الطف حركة بديل سياسي وليست مأساة شخصية للبكاء فقط . لذا فان تجمع تاسوعاء له رسالة يريد ايصالها ، هو مشروع لتفعيل واحياء قيم الثورة الحسينية في الاصلاح السياسي وجعلها مفاهيم راهنة على الارض في العراق ، تيار شهيد المحراب مدرسة مميزة ، ابتكارها الاكبر أحياء قيم الثورة الحسينية سياسيا وجعلها تتفاعل في اذهان الملايين من الجمهور الذي يشكو فراغا في عملية الربط والتواصل بين ثورة الحسين ومصاديقها المعاصرة في بلده وهو بلد الحسين (ع) ، الغريب في الأمر ان التفسير المأساوي الاحادي الجانب لواقعة الطف الذي اسسته دوائر الخلافة في عهد بني العباس والسلاجقة والايوبيين والعثمانيين والانكليز والانتداب في العراق ونظام صدام تباعا مازال فاعلا في الوعي الشعبي ، وهو يسعى الى شخصنة وتقزيم هذه الذكرى رغم ان الاسلام حسيني البقاء ، ولكن بمعنى الاصلاح العملي الاجتماعي الجماعي المؤسسي ، الغريب ان انصار الحسين ودعاته اصبحوا اليوم في السلطة ولكنهم مازالوا عثمانيين في فهم ثورة الحسين ، واذا بقي هذا الفهم سائدا فستظهر نتائج خطيرة ستكون غطاء مذهبيا وطائفيا لكل من يريد ان ينحرف ويسرق ويظلم ثم يقدم نفسه للملأ على انه من اتباع اهل البيت (ع) ، سيكون هذا الانتماء اداة للظالم ضد المظلوم ، كما فعل الفاطميون والبويهيون والادارسة والصفويون وغيرهم عندما اسسوا انظمة ملكية مستبدة جائرة وغير شرعية باسم اهل البيت (ع) وهم منهم براء ، اصبح الانتماء الى التشيع في تلك الممالك رحمة للحكام ونقمة على الرعية ، تجمع تاسوعاء محاولة لتجنب كارثة كهذه ، لتأسيس نهج اصلاحي في نهضة شاملة كنهضة الامام الحسين ، مفردات هذه المسيرة هي : (الوطن) (المواطن) (اعطاء المحرومين حقوقهم )(الاصلاح في الانظمة والمؤسسات ) (احترام الدستور) (تفضيل مصلحة الأمة على مصلحة الحاكمين) وهذه هي اهداف ومبادئ معاصرة لثورة الامام الحسين (ع) تجمع تاسوعاء محاولة لاخراج شعائر محرم الحرام الى الشارع الذي يضم الأمة التي ثار من اجلها الحسين (ع) تحويل الثورة الى شعور جماعي جماهيري يعيد صياغة مشروع الحكم برؤية حسينية يتبناها الناس المتضررون قبل النخبة المستفيدة ، كثير من ساستنا الحاليين يتمنون ان تبقى ذكرى الطف مناسبة شعبية للبكاء واللطم والتطبير الذي يهطل دما في الشوارع يحجب عيون الأمة عن رؤية ظالميها الذين يجب ان يتم تطبيرهم وجلدهم بالزناجيل وليس تطبير المستضعفين الذين يعودون الى بيوتهم منهكين ، بلا لقمة خبز ، ولا سكن لائق ، ولا وظيفة ، ولا كهرباء ، ولا كرامة ولا أمن ، يعودون تشخب دماؤهم وظالموهم يتمتعون كالاباطرة باسم الحسين (ع) ، تجمع تاسوعاء اراد ان يحول ايام محرم الى ايام بيعة للمشروع الاصلاحي الذي يحمي المناسبة المقدسة من التزوير السلطاني ويجعلها اداة بأيدي المحرومين ليبدأوا الاصلاح ملتفين حول قيادة الاصلاح ورموزها . قال الامام الخميني (قدس) : (كل مالينا من عاشوراء) .