وهذا ما كان بالفعل طيلة المعركة الانتخابية الشرسة بينه وبين منافسه الجمهوري ميت رومني، والتي انتهت قبل اسابيع قلائل بأنتصار تأريخي حققه الاول على الثاني.
ولم يكن وضع الملف العراقي على الرف من قبل اوباما شيئا غريبا وامرا خارج سياق المألوف، بل ان شهور المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة الامريكية غالبا ما تشهد اغلاق وتعليق ملفات خارجية عديدة من قبل المرشح الذي هو في البيت الابيض ويسعى الى البقاء فيه لاربعة أعوام اخرى.
وبخصوص ذلك يشير السفير الامريكي في المملكة العربية السعودية جيمس سميث الى صعوبة تبني مواقف محددة خلال الحملات الانتخابية، متوقعا حصول تغير في الموقف الامريكي حيال الملفات الخارجية ليصبح اكثر وضوحا عقب فوز باراك اوباما. ولان واشنطن لديها تأثير غير قليل في مسارات الوضع العراقي الشائك والمعقد والمتداخل في كل عناوينه ومفرداته، لذا فأن احدا لم يكن يتوقع ان تتدخل بقوة وهي ترى وتراقب التجاذبات والاحتقانات الحادة بين بعض الفرقاء السياسيين العراقيين بشأن قضايا قد لا تكون مراكز صنع القرار الامريكي ودوائر التأثير المباشر بعيدة عنها.
ربما كان هناك استغراق ومبالغة في تصوير قدرة واشنطن على توجيه الامور وتحديد مساراتها وفك العقد المستعصية، وربط تصاعد حدة الخلافات والازمات في المشهد العراقي خلال الشهور العشرة الاخيرة بانشغالات البيت الابيض والمؤسسات التابعة له بمعركة الرئاسة.
لو كان الامر كذلك فعلا، فلماذا لم تفلح واشنطن في نزع فتيل الازمات وردم الهوة بين الفرقاء في اوقات سابقة؟ يجيب بعض المراقبين عن هذا التساؤل بالقول، إنه من الخطأ افتراض ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى جادة الى حل الخلافات ومعالجة الازمات العراقية، بل هي قد تكون طرفا في اختلاق وتأجيج البعض منها، والنقطة الثانية تتمثل في ان الولايات المتحدة حتى وان سعت الى الحل فإنها لا تملك كل اوراقه، فضلا عن ذلك فإنها لا تستطيع دائما فرض اراداتها وتصوراتها على كل الاطراف السياسية الداخلية وكذلك القوى الاقليمية التي لا تدور في فلكها ان لم تكن تتقاطع معها في الكثير من الاحيان. لم يكن الملف العراقي حاضرا في المعركة الانتخابية بنفس حضور ملفات خارجية اخرى مثل الملف السوري والملف الايراني وملف الصراع الفلسطيني، وهذا امر طبيعي جدا لان اغلب مفرداته تتحرك في اطار داخلي على عكس الملفات الاخرى التي تتحرك في فضاءات اقليمية ودولية واسعة. والتساؤل الذي ربما يطرحه بعض في العراق.. هل سينتقل الملف العراقي بعد فوز اوباما الى مرتبة متقدمة في سلم اولويات السياسة الخارجية الامريكية؟ القراءات الاولية تذهب الى ان فوز اوباما يمكن ان يساهم في تطوير وتعزيز العلاقات بين بغداد وواشنطن، وبرقيتا التهنئة اللتان وجههما كل من رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي تضمنتا هذا المعنى.
اما وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري فقد ذهب ابعد من ذلك حينما صرح قائلا ان فوز الرئيس الامريكي باراك اوباما بولاية ثانية سيسهم في مساعدة العراق في تنفيذ خططه بمكافحة الارهاب وتطبيق اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين مع تعزيز مشاريع التنمية والاقتصاد، وان هذا الفوز مهم لتعزيز السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة .
وقد تبدو الرؤية التي تقول إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية لن تشهد اي تغيير مهم في المدى المنظور ازاء مختلف الملفات الاساسية، من ايران الى سوريا وغيرهما، لكن بعد التخلص من عبء الانتخابات ومن محاذيرها ستكون الادارة الامريكية اقل ترددا واكثر قدرة على الحزم عندما تدعو الحاجة .. قد تبدو هذه الرؤية واقعية، وهي تمثل الوجه الاخر لمرحلة تعليق الملفات ووضعها على الرف خلال المعركة الانتخابية. ولكن ما بديل التردد الامريكي حيال العراق في المرحلة السابقة؟.. ربما يرى الرئيس اوباما الذي لن يجد نفسه محكوما بحسابات معقدة ترتبط بطموح نيل ولاية رئاسية ثانية، ان تدخلا عسكريا في العراق سيكون امرا لابد منه في حال تنامي الارهاب مجددا وعجز القوات العراقية عن السيطرة على الموقف، وما يشجع ويدفع الى مثل ذلك التدخل طبيعة الموقف العراقي الايجابي من الازمة السورية وسبل حلها، وعلاقات بغداد البناءة مع طهران، ناهيك عن الانحسار المتواصل في تأثير ومحورية الاطراف السياسية المرتبطة انطلاقا من عناوين طائفية معينة بقوى اقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا.
ومثلما لم يكن الملف العراقي في صدارة اولويات السياسة الخارجية الامريكية، فإنه من المستبعد ان يكون كذلك في المرحلة اللاحقة على اقل التقادير، واغلب الظن ان واشنطن ستضغط على بغداد بوتيرة متزايدة من اجل دفعها الى تغيير مواقفها حيال دمشق وطهران، دون الاهتمام كثيرا بتفاصيل وجزئيات الخلافات والصراعات الداخلية المزمنة.
من غير المتوقع ان تقف واشنطن بقوة خلف الاكراد في مواجهة خصومهم في بغداد ولن تفعل العكس، ولن تساير الطموحات والاجندات السنية المدعومة من بعض الاطراف العربية والاقليمية، واذا فعلت ذلك فبحدود معينة.
خطورة وحساسية الملفات الخارجية، والتحديات الداخلية الاقتصادية، من المستبعد ان تتيح لواشنطن الدخول على خط الازمات العراقية الا فيما يتعلق بتلك الملفات وبمصالحها، والذين يأملون من اوباما الذي لم يعيرهم اهتماما خلال الشهور العشرة الماضية، وكانوا يلتمسون له الاعذار ان يدعمهم، لن يجدوا مايتمنونه ويتطلعون اليه.
ايقاعات الازمات مع دمشق وطهران ستلقي بعضا من ظلالها على بغداد، بيد ان موازين القوى العراقية لا يمكن ان تتغير بسهولة، ولا يمكن لواشنطن ان تغيرها حتى وان ارادت ذلك؟ وماعجز او تلكأ اوباما عن فعله بالامس، لن يفعله في الغد.