خرج الإمام الحسين عليه السلام، من مكة المكرمة إلى أرض كربلاء وكان يذّكر من أصحابه اهل بيته بقصة النبي يحيى، ويۆكد ويقول: (من هوان الدنيا على الله أن يهدى رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل) وكلن لماذا هذا التذكير؟
كان ييد أن يۆكد لهم أن حركته ليست لتنصيبه على رأس السلطة، أو للحصول على شهرة، وإنما كان يريد الآخرة وان الدنيا قصيرة ، ولذا يسعى إلى ما سوف يسبب ذبحه كما ذبح يحيى بن زكريا.
يسير مع الركب وهو يكرر (عليه السلام) قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} القصص(٨٣)، ليذكر الركب بأهداف هذه القافلة، الأهداف السامية، التي لا تتوفر في عالم الدنيا إنما مقرها الآخرة.
حين حوصرت قافلة ابن رسول الله في الطف بقيادة عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، وحيث كانت ليلة العاشر من محرم، سأل الإمام (عليه السلام) القوم أن يمهلوه سواد تلك الليلة، لم تكن تلك الليلة لأجل كسب الوقت في الدنيا، ولكن الحسين (ع) – طلب منهم أن يمهلوه سواد الليلة التاسعة حتى يتسنى له إقامة الصلاة مع أصحابه وعائلته.
كان يهيأ نفسه وأصحابه (رض) وأهل بيته (ع) للقاء الموت، كان يهيئهم لهذا الموقف العظيم، حتى تحول صباح العاشر من المحرم إلى ملحمة القيّم العظمى، فكان الصحب والأهل يجسدوا الإسلام بكل قيمه التي حملتها الرسالة النبوية الإسلامية، هيئوا أنفسهم للقتل، بالصلاة ، بقراءة القرآن، والدعاء إلى الله تعالى.
تلك الليلة لم تكن ليلة بكاء وندب، بل كانت ليلة تهيأ ليتخذ كل ثائر دوره في ثورة الحسين العظيمة التي لم تنتهي في ظهيرة العاشر بل امتدت لتكون في كل محرم وقتا للثوار والمجاهدين ليجددوا عهدهم بتلك القيّم التي جسدها أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته.
مخطئ من كان يعتقد أن قتل الحسين (عليه السلام) سيقتل القيّم التي ثار لأجلها ، وصدى صوت الأحرار في كل بيت يدوي وعلى الظالم أن يسمع صوتهم وهم يهتفون: في وجه كل من ظلم .. حسين يبقى والقيم.