وقد اوردت جهات رسمية عديدة من بينها العتبتين الحسينية والعباسية ووزارات النقل والصحة والداخلية، ومجلس محافظة كربلاء هذه الارقام، ويمكن ان تكون تلك الارقام المعلنة غير دقيقة، لكنها في كل الاحوال لا تحتمل نسبة خطأ كبيرة، لان كثير من المعطيات تعزز وتؤكد الارقام المعلنة للزائرين، والتي من بينها خلو كثير من المدن في الجنوب والفرات الاوسط من ساكنيها لتوجههم الى كربلاء، وتعطيل الاسواق التجارية والدوائر الحكومية منذ آواخر الاسبوع الماضي وخلال الاسبوع الجاري بصورة شبه كاملة، فضلا عن اعلان الحكومات المحلية لبعض المحافظات عطلة رسمية لعدة ايام.
وتشير المصادر الرسمية الى ان السبعمائة وخمسين الف زائر اجنبي قدموا من دول اسلامية وغير اسلامية مختلفة مثل ايران ولبنان والكويت والسعودية والبحرين وتركيا وباكستان واستراليا وكندا والولايات المتحدة والسويد وهولندا والدانمارك وبريطانيا ودول اخرى من افريقيا، وان هذا العام شهد وجود مواكب خدمة اجنبية على طريق النجف وكربلاء وطرق اخرى الى جانب اكثر من مائة الف موكب خدمة عراقي.
ورغم الاجراءات الامنية المشددة التي اتخذتها الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع
الحكومات المحلية للمحافظات، اذ قدرت اعداد القوات والاجهزة العسكرية والامنية التي استنفرت لتأمين الحماية للزائرين بمائتي الف عنصر، فأن عمليات ارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة استهدفت الزوار، لعل اخرها واكثرها دموية كان انفجار سيارة مفخخة في مدينة المسيب(٧٠ كم جنوبي العاصمة بغداد) مساء يوم امس الخميس استهدف الزوار العائدين من كربلاء ليوقع اكثر من عشرين شهيدا واكثر من ستين جريحا.
وقدرت مصادر رسمية من وزارتي الدفاع والداخلية عدد ضحايا العمليات الارهابية من زوار الامام الحسين عليه السلام بتسعين شهيدا ومايقارب مائتي جريح.
بيد ان العمليات الارهابية وكما هو الحال في الاعوام السابقة لم تثني ملايين الاشخاص عن مواصلة سيرهم نحو الامام الحسين عليه السلام، بل انها زادتهم همة واصرارا وتحديا.
واضافة الى العمليات الارهابية فأن الزائرين واجهوا خلال الاسبوعين الماضيين ظروفا مناخية صعبة تمثلت بهطول الامطار بغزارة اضافة الى الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، الا ان ذلك كله لم يؤثر بأي قدر على الزحف المليوني نحو كربلاء المقدسة.
ولعل الرسالة التي اطلقتها الجماهير المليونية الحسينية كانت رسالة بالغة في معانيها ودلالاتها ومضامينها، ليس هناك رسالة ابلغ منها. وفي كل عام تجدد الملايين عهد البيعة والولاء الحسيني، وفي كل عام تزداد اعداد الحشود المليونية الزاحفة نحو قبلة الاحرار من كل حدب وصوب، دون ان تعبأ بالمخاطر والتهديدات والتحديات التي هي الاخرى تزداد عاما بعد عام وتتخذ صورا واشكالا مختلفة، فمنذ الف وثلاثمائة وثلاثة وسبعين عاما وانصار الامام الحسين عليه السلام ومحبيه ومريديه يواجهون القتل بصدور رحبة، ونفوس مطمئنة، ولان الطريق الذي سار عليه ابي الاحرار، والنهج الذي اختطه، والهدف الذي سعى اليه كان مستقيما وصائبا وساميا، فأن كل محاولات اعداء الدين واعداء الانسانية واعداء الحق باءت بالفشل الذريع، وازدياد الحشود المليونية السائرة والزاحفة نحو قبلة الاحرار عاما بعد عاما يمثل الدليل الدامغ الذي لامجال معه للنقاش والجدل والسجال، لان صور الواقع ليست بحاجة الى اي تفسير او تأويل، لانها تشرح وتفسر نفسها بنفسها.
وفي كل عام، حينما يشارك الناس من مختلف المذاهب والاديان والقوميات والاعراق بأحياء الملحمة الحسينية، في العاشر من محرم وفي العشرين من صفر، تتأكد الحقيقة الدامغة بأن الحسين ضحى بنفسه وعياله واصحابه من اجل الانسانية جمعاء.