النقطة، او الاشكالية الاولى في قائمة المطالب، هي أن البعض منها لا يرتبط أساساً بالسلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة، وانما بالسلطة التشريعية ـ البرلمان ـ او السلطة القضائية، وهذا ما أكده رئيس الوزراء نوري المالكي أكثر من مرة، كان آخرها بعد لقائه رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم مساء يوم الثلاثاء الماضي.
وهذا شيء صحيح جداً، فإيقاف أحكام الاعدام، واطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من السجون تعد قضايا وملفات قضائية مرتبطة اساساً بالسلطة القضائية، ونفس الشيء بالنسبة لقوانين المساءلة والعدالة، ومكافحة الارهاب، التي يطالب المتظاهرون بإيقاف العمل بها ومن ثم الغائها نهائياً، وكذلك قانون العفو العام، فهي من صلب مهام ووظائف البرلمان.
ولعل أطرافاً وقوى سياسية عديدة، حتى من التي تختلف مع المالكي بشأن قضايا عديدة ترى ان بعض المطالب ليست دستورية، والاجتماع الذي عقده رئيس البرلمان اسامة النجيفي مع رؤساء الكتل السياسية قبيل عقد الجلسة الاستثنائية يوم الاحد الماضي والتي تحولت الى جلسة تشاورية غير رسمية بسبب عدم اكتمال النصاب، شهد ذلك الاجتماع معارضة كل من كتلة المواطن التابعة للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، وكتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري، وكتلة التحالف الكردستاني وكتل اخرى تعليق العمل بالمادة ٤ من قانون مكافحة الارهاب، وكذلك معارضتها الغاء قانون المساءلة والعدالة.
والاشكالية الثانية تتمثل في ان بعض المطالب بدت وكأنه يراد منها وضع الحكومة الاتحادية في زاوية حرجة، وبالتالي اما أن ترفض تلك المطالب، وحينئذ يـتأزم الموقف بأكثر مما هو عليه الآن، او ان توافق عليها، وذلك يعني القفز على الدستور وعلى وظائف البرلمان والقضاء، فضلا عن إثارة حفيظة مكونات وفئات اجتماعية اخرى.
فإلغاء قيادات العمليات العسكرية والاجهزة الامنية التي يرى البعض انها غير دستورية، واعادة التحقيق ومحاكمة بعض الشخصيات المتورطة بالارهاب والمدانة قضائياً، ينطوي على حساسيات ومخاطر عديدة، لكن في ذات الوقت يمكن تفكيك القضايا ـ او البعض منها ـ التي تضمنتها المطالب والتعاطي معها كل بحسب خصوصيته، ولا شك ان القضايا المرتبطة بالجوانب الخدمية، وان لم يُشَر اليها بوضوح وبما فيه الكفاية في ورقة المطالب الثلاثة عشر، فإن بإمكان الحكومة تفعيلها خلال فترة زمنية قصيرة، علماً أن مشكلة الخدمات ـ كما هو الحال مع مشكلة الامن ـ تمثل مشكلة عامة تعاني منها مختلف مناطق العراق.
أما الاشكالية الثالثة، فهي انه في الوقت الذي أبدى فيه رئيس الوزراء العراقي الاستعداد للنظر في مطالب المتظاهرين وتنفيذ ما هو ممكن التنفيذ، ربط المتظاهرون ايقاف تظاهراتهم بالتنفيذ، وهذا ما يعكس صعوبة التوصل الى توافقات وتفاهمات، لان سرعة التنفيذ حتى بالنسبة للممكن منها تتطلب وقتا معينا، قد يطول وقد يقصر.
في حين تتمثل الاشكالية الرابعة، بعدم وجود مرجعيات واضحة تمثل الوسط الجماهيري في المحافظات الغربية، لها القدرة على التحرك والتفاوض وبالتالي اتخاذ قرارات فيما يتعلق بآليات التعاطي مع المطالب، وامكانية اعادة النظر في البعض منها، فالذين يتحدثون ويصرحون، سواء كانوا من الشخصيات الدينية او السياسية او العشائرية، لا يمتلك أي منهم تفويضاً واضحاً للجلوس مع الطرف الحكومي والبحث عن حلول ومخارج مناسبة ومقبولة معه.
الاشكالية الخامسة، وهي الاخطر والاعقد، تتمثل في انه الى جانب قائمة المطالب الثلاثة عشر، على حساسية وخطورة البعض منها، هناك أحاديث عن خيارات وأجندات مقلقة من قبيل تشكيل اقليم سني في اطار سياسة فرض الامر الواقع، وان كان ذلك ضمن اطار الدستور، على غرار اقليم كردستان، اي ان قائمة المطالب تخفي وراءها قضايا أخطر وأعقد، وان تنفيذها يمهد لتلك القضايا، وعدم تنفيذها يفضي الى نفس الشيء.
والاحاديث الدائرة اليوم عن تقسيم البلاد في بعض الاروقة السياسية وعبر وسائل الاعلام، واستذكار مشروع بايدن، والاجتماعات المتواصلة في بعض العواصم العربية، والتحركات المكوكية لبعض الشخصيات بين تلك العواصم تشير الى أن قضية التظاهرات وقائمة المطالب الثلاثة عشر تمثل الجزء الظاهر من جبل الجليد الغاطس تحت الماء!.