بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران:١٧٣).
نشأ العلامة الشهيد السيد مهدي الحكيم (رضوان الله عليه) في أحضان مرجعية والده الامام السيد محسن الحكيم (قدس سره)، استلهم منها علومه وسيرته كما تميز بدماثة الخلق والأريحية العالية والانفتاح الأشمّ فكانت تطلعاته بحجم الخلاص الذي يضع للظلم نهاية فترسّم قيم تلك الدوحة العلوية ولم يأبه لطغيان البعث الجائر فتصدى للنظام البائد في ظل مرجعية الامام الحكيم وتعاطى مع الاحداث بشجاعة اقتحم أسواراً خاف الآخرون ان يتسلقوها، كما خافه اعداء الله والانسانية فكادوا ودبّروا له مؤامرة بليل غاشم ولم تثنه تلك التحديات فانفتح بعقله وقلبه وروحه على العالم الاسلامي والانساني معاً فكانت له محطات ميّزت مسيرته الشريفة نقف عندها مشيدين ومستذكرين:
١- صناعة الحدث: عرف عن الشهيد السعيد السيد مهدي الحكيم (رض) انه كان يخطط ويبادر ويؤسس فتنعكس الاحداث فيتعامل معها بوعي وصلابة. يصنع الحدث بنفسه او يساهم مع صنّاعه فيوجد وسطاً مؤثراً من العمل في بناء الانسان وفي تصعيد المواجهة مع الظالم طاغية عصره صدام وحزبه العنصري. ولم ينتظر ان يكون صدى او ردّ فعل.
٢- التفاعل: انطلاقاً من إيمانه ضد الاستبداد والظلم كان يذوب في هذه البرامج والمشاريع ويتعامل معها بصدق وحرارة. كان يمدّ مريديه وأخوانه واصدقاءه بشعلة العمل والديمومة على الصراع ضد الظالمين لم يهن ولم ينكل وان ضعفت عزائم البعض لطول المحنة وتعقيداتها.
٣- الترابية: كجده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حين سمي أبا تراب، كان الشهيد في نشأته وسيرته ترابياً حتى استشهاده وكان مثالاً للتواضع والبساطة والروح الطيبة، كان يواسي الضعيف والفقير والصغير وهو يمارس اعقد مراحل العمل ومستوياته العالية، وهذه رائعة تميز بها (رضوان الله عليه).
٤- عدم الاستئثار: وهذه رائعة أخرى من روائعه (رضوان الله عليه) لم يحلم ولم يرد أن يكون رئيس كيان أو مجموعة فهو يؤسس ويدعم ويعمل ويترك ذلك للآخرين يعملون من خلالها فلم يستأثر بعنوان أو جماعة أو مؤسسة وغير ذلك.
٥- اللافئوية: كان سفيراً للمرجعية في كل مكان لم يحدّه عنوان ضيق ولا إطار من الأطر فكان للجميع ويطمع فيه الجميع ايضاً لأنهم لم يجدوا فيه اصراراً على فئوية ولم يتخندق ضد الآخرين فكان يعمل في الهواء الطلق مع الجميع ليوحد الجهود كلها ضد طاغية عصره.
٦- انفتاح بمبدئية: وهذا المركب من اعقد الحالات التي يواجهها المتصدي في عمله لكنه (رض) كان في غاية التوازن لم يجرح مبدأ من مبادئه ولم يتجاوز قيم الشريعة وضوابطها مع انه كان ينفتح على كافة الاتجاهات العلمانية والاسلامية القومية والمذهبية ومختلف الديانات والأثنيات، فتمثل قول رسول الله (ص): (خالط الناس ودينك لا تكلمنه) أي لا تجرحنّه.
٧- محطاته المتعددة: لقد تنقل في بلدان متعددة وعانى فيها ما عانى لكنه أسس فيها الكثير من العمل والمؤسسات.
ومن محطات عمله انه تنوّع في تحركه العلمائي والسياسي والديني والثقافي والاجتماعي وأعطى الكثير في هذه السبل.
وهناك الكثير مما تميز به الشهيد السعيد السيد مهدي الحكيم (رض) غير ما ذكرناه، ومن هنا لابد ان يستلهم الرجال المخلصون لله ولرسوله ولدينه الحنيف كل تلك المعاني ليكون ذلك ضابطاً للسلوك والحركة والعمل بعيداً عن الأنا وتحقيق الامجاد الذاتية على حساب الأمة وآلامها.
فرحم الله الشهيد الحكيم (رض) الذي اغتالته (سياسة الغدر الدولية) بيد مرتزقة صدام في السودان، (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم)(سورة التوبة:٢١) وقد لا نكون مغالين ولا مجانبين للحقيقة حين نقول ان (سياسة الغدر الدولية) هي وراء تصفية رموز هذه العائلة العلمائية المجاهدة كما حصل لشهيد المحراب السعيد السيد محمد باقر الحكيم (رض).
رحم الله شهداء هذا الطريق الصعب الذي لا يسلكه إلا من امتحن الله قلبه ففاز بالرضوان ومجاورة الرحمان.
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد وناضل ويوم استشهد.
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(سورة آل عمران:١٦٩).