اما الدستور الذي يتعاقد عليه الشعب.. فانه سينقل الشرعية المخزونة من السر للعلن، ومن اللامشروع الى المشروع، ومن الفردانية والاعتباطية واللانظام الى الجماعية والاجرائية والنظام.. ومن الثورة والتمرد الى الدولة والمؤسسات. ليصبح الخروج عليها هو المؤامرة والخيانة لذلك الناموس.. فلا بشر فوق الدستور، الحاكم للقوانين والمسؤولين والمواطنين. فالدستور تقره او تؤمن به اغلبية ستزداد انتشاراً ورسوخاً ان اقام عدلاً وتقيد به الشعب والحكام.. وسيتفكك ان رفضته الاغلبية.. او تهرب من التزاماته من يمسك بدفة الامر.
ثار الشعب العراقي ثورات تفككت وارتدت على نفسها.. باستمرار الحكام الجدد بادارة البلاد بعقلية وقواعد الثورة، او اسسوا دستوراً -مؤقتاً او دائماً- يتحكمون به بالشعب، وليس العكس. ومؤخراً، تمكنت البلاد في ظروف معقدة من وضع امانيها في دستور حصل على تأييد الاغلبية الساحقة سواء عبر الاستفتاء او القبول اللاحق، بلسان اغلب القوى. ومهما كانت النواقص، لكنه مثل تأسيساً يمكن البناء عليه. البعض سيسعى للتملص لان الدستور قيد يداه. وبعض سيرفض التأسيس اساساً لانه يدمر النظام الذي خدمه ويخدمه.. هاتان القوتان مهما تلاسنتا او تصادمتا لكن مشروع كل منهما بمبانيه سيعيدان الفردية والفوضى.. فلا حكم سينجح وينتصر الا بخضوع الجميع للدستور، كما يفسر نفسه بموضوعية وعدل وليس بتفسيرات مفروضة مجتزأة. لقد انتهىت القرارات والسياسات الفردية التي تتخذ في وحدات الجيش والحزب والاوكار السرية والجبال والشوارع وخارج الحدود.. فلا يمكن داخل المرحلة الدستورية العودة، لممارسات الثورة، فنتصرف فوق ارادة المجموع والمؤسسات وسياقاتها..
فالدستور هدفه اساساً ضبط الحكومة ومنع تفردنها وتلاعبها بالتفويض الممنوح لها، كهدفه حماية صلاحياتها وصلاحيات غيرها.. وحماية حقوق الشعب والمعارضة من تعسف قرارات باسم الدولة والخارجين على القانون وعليها. فالتصدي للظلم وللقوانين الجائرة وقت الثورة، حق وواجب.. كما ان تجاوز الشرعية وحدود التفويض عند الحياة الدستورية، ارتداد وانتكاسة.
بقلم : نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي