تحفل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقرءة والالكترونية العراقية وغير العراقية بكم هائل من المعلومات ضمن اخبار وتقارير ودراسات ومقالات تحليلية وابرامج وافلام وثائقية عن طبيعة وحجم المشكلات والازمات التي يعاني منها المجتمع العراقي.
قد تهيمن المشكلات والازمات السياسية والامنية والحياتية اليومية على مساحة واسعة من التغطيات الاعلامية المتواصلة لمختلف وسائل الاعلام، وعلى حيز كبير من النقاشات والاطروحات والاثارات عبر المنابر السياسية والاعلامية والفكرية والثقافية والعشائرية، لكن يمكن القول ان ما يطرح بأستمرار على طاولة البحث والنقاش والسجال لايمثل سوى الجزء الصغير من جبل المشاكل والازمات الغاطس بجزءه الاكبر تحت السطح، بحيث لايكون ضمن دائرة الرصد والملاحظة من قبل عموم الناس.
الارقام المقلقة التي توردها وسائل الاعلام وبعض منظمات المجتمع المدني والمراكز والمؤسسات المتخصصة عن نسب التلوث البيئي، والامراض المزمنة والمستعصية، وتسرب الاطفال من المدارس او عدم التحاقهم بها من الاصل، وعمالة الاطفال القاصرين، والارامل والايتام، وتعاطي المخدرات، والبطالة، ناهيك عن ظواهر ومظاهر الفساد الاداري والمالي والاخلاقي وما يمكن ان تفرزه من اثار وتبعات اجتماعية سلبية، الارقام المقلقة بشأن هذه القضايا وغيرها تؤشر الى واقع سيء على صعد ومستويات مختلفة، ولانبالغ اذا قلنا انه خطير وخطير جدا.
واذا كان هناك من لايستشعر بتلك المشاكل والازمات الخطيرة، لانهماكه وانشغاله بالهموم اليومية –السياسية والامنية والحياتية-فأنه بلا ادنى سيجد ان تلك المشاكل والازمات الخطيرة تلقي بظلالها عليه ان عاجلا ام اجلا.
والامر ينطبق على المواطن والدولة-الحكومة على حد سواء، ولكن حجم المسؤولية الاكبر في البحث عن حلول ومعالجات حقيقية وواقعية وعملية يقع على عاتق الدولة من خلال أجهزتها التنفيذية بالدرجة الاساس، ولعل اكبر خطأ تقع فيه الاخيرة هو ان تنشغل بالكامل باقضايا اليومية المتحركة، وتدير ظهرها للقضايا الاخرى ذات الابعاد المستقبلية بشقيها الايجابي والسلبي، هذا المنهج –وهو ما الذي ساد طيله الاعوام الثمانية المنصرمة وحتى الان-يعني تهربا وهروبا من مواجهة الواقع، وغيابا فاضحا للتصورات والرؤى والخطط الاستراتيجية للمؤسسات الحكومية المعنية.
على المعنيين بزمام الامور ان يدركوا ويلتفتوا الى حقيقة مهمة، الا وهي ان ما يبدو جانبيا من المشاكل والازمات اخطر واعقد بكثير من المشاكل والازمات التي تتصدر واجهة المشهد.