وقبل ما يزيد عن العام، برزت هذه المجموعة مصممة على تقويض الدولة العراقية بينما تبني قدراتها العسكرية من خلال اطلاق سراح عناصرها من السجون والاندفاع الى تجنيد عناصر جدد. وبدأ هذا التنظيم في العراق، الا ان الحرب الاهلية الدائرة في الجارة سورية قد غذته، فوسع مطامحه لتشمل البلدين معا. وكان هذا التنظيم المسلح قد اعلن مسؤوليته عن مئات الهجمات، ان لم تكن كلها، التي أودت بحياة ما يزيد عن ٦ الاف و٢٠٠ شخص في هذا العام في العراق، الذي شهد اسوأ أفعال العنف منذ العام ٢٠٠٨. ويظهر ان هذا التنظيم يدخل الآن بمرحلة جيدة من تطوره. ففي بعض مناطق سورية، سبق ان اعلن عن إقامة عناصر أولية لتشكيل حكومةـ من بينها إقامة محاكم، ومدارس ومكاتب مدنية ـ ويظهر انه يبذل محاولات لفعل الشيء نفسه في العراق.
وتقول جسيكا لويس، مديرة البحث في معهد دراسة الحرب بالولايات المتحدة، التي درست صعود هذا التنظيم الذي بدأ بتسمية نفسه القاعدة في العراق، "اننا نرى مواجهات مسلحة مستمرة مع قوات الأمن العراقية،" موضحة ان "هذا يبين انهم يريدون البقاء، وتعيين حدود استقرارهم [في العراق]. فاذا أرادت جهة معينة التحرك على مساحة من الارض، فان هذا ما تفعله."
وكان احدث هجوم كبير شنته المجموعة هو هجومها وسط مدينة كركوك في الاسبوع الماضي، والذي دام ما يزيد عن ١٢ ساعة وخلف على الاقل ١٠ قتلى، طبقا لما ذكر عدد من المسؤولين الأمنيين المحليين، الذين شددوا على عدم ذكر اسمائهم بسبب عدم تخويلهم بالحديث الى وسائل الاعلام. فهذه العملية، التي اعلن التنظيم مسؤوليته عنها، تبين تدريبا مكثفا، ودوافع شديدة القسوة وتطورا تكتيكيا.
فقد بدأ الهجوم في منتصف نهار الاربعاء الماضي، عندما قاد انتحاري سيارته الى مدخل مقر الاستخبارات وفجر سيارته المحملة بالمتفجرات. وتبعه مهاجم اخر يسير على الاقدام وهو يرش الرصاص ثم فجر حزامه الناسف.
وبينما كانت مجموعة من القناصة يأخذون مواقعهم على سطح مبنى متجر للتسوق قريب، تمكن ستة مهاجمين من اختراق الطوق الأمني فدخلوا الى مقر الاستخبارات. وفشلت قوات الشرطة العراقية التي فوجئت بهذا التكتيك لعدة ساعات من استعادة السيطرة على الوضع؛ واظهرت لقطات تلفزيونية افراد شرطة وهم يحدقون بزوايا المباني ويطلقون نيرانهم على القناصة من دون إصابة أهدافهم. وانتهى القتال بنهاية المطاف، في حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر. وفي يوم الخميس كان المول تأكله السنة النيران. بالاضافة الى اولئك القتلى، اصيب على الاقل ٤٥ فردا من قوات الشرطة و٥٢ من المدنيين، بجراح.
ويشير التنظيم الى ما ستكون أرضه في كركوك بانها "امارة داعش"، التي تشمل ايضا محافظتي صلاح الدين وديالى المجاورتين. والحملة التي يشنها التنظيم من اجل اقامة إمارة داعش لم تتضمن هجمات على اهداف من العيار الثقيل فقط، من قبيل مديرية استخبارات كركوك، بل ايضا برنامجا ممنهجا لتخويف قوات الامن العراقية، والمسؤولين الحكوميين وعائلاتهم. فمثلا خلال تشرين الاول الماضي، شن مسلحو التنظيم هجمات عدة على الجيش العراقي والشرطة في بيوتهم في المناطق المحيطة بكركوك، طبقا لضباط عراقيين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية. كما راح ناشطو تنظيم الدولة الاسلامية يعملون على عدم قتل افراد الشرطة والجيش ولا يستهدفون حياتهم، كما يقول الضباط، بل يعمدون الى تفجير بيوتهم ويهددون زملاءهم كي يتركوا عملهم في القوات الأمنية.
مثل هكذا هجمات هي جزء من مبادرة اوسع نطاقا اطلقت عليها المجموعة تسمية "حصاد الجنود،" حسب ما تذكر لويس. وتقول لويس ان "هدفهم هو جعل الأشخاص يتركون قوات الأمن،" موضحة انه "باستعمال قواتها الموجودة على الارض، بإمكان هذه المجموعة ان تخوف كثيرا من الناس بعدد قليل من القنابل فقط."
ونتيجة لهذا، ترك عدد من الجنود وظائفهم وراحت المعنويات تتدنى. اذ بوجود عدد قليل من الرجال في نقاط التفتيش والدوريات في المحافظات، تمكن مسلحو المجموعة من زيادة وتيرة وحجم هجماتهم ـ وهذا ليس فقط في المناطق المحيطة بكركوك.
فمحافظة الانبار بغربي العراق، التي لها حدود طويلة وهشة مع سورية، حصلت على تسمية "امارة الجزيرة." وشن المسلحون فيها بنحو خاص موجة لا تهدأ من الهجمات على مدينة الفلوجة على مدى الشهرين الماضيين، ومن بينها اغتيال مدير القضاء، عدنان حسين، الذي قتل في ١٣ من تشرين الثاني برصاص قناص كان قابعا على احد السطوح.
وقال صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الانبار، ان "القاعدة تسيطر على ٤٠ بالمائة من المنطقة الصحراوية بمحافظة الانبار."
وعادت قوات الامن العراقية لتضربها لكن ـ وفي تناقض صارخ مع ما كانت تعمل عليه بالتنسيق مع قوات العمليات الخاصة الاميركية ـ لم تكن عندها القدرات التكنولوجية لجمع الاشارات الاستخبارية فضلا عن تدني قدراتها التحليلية لتجميع الاجزاء المختلفة من المعلومات ووضعها في صورة واضحة من شأنها ان تساعدها على صياغة خطط عملياتها. وبدلا من هذا، كثيرا ما تظهر القوات العراقية انها تعتمد على تكتيكات فظة تهدد بتنفير السكان المحليين. فبعد مقتل مدير قضاء الفلوجة، على سبيل المثال، القت الشرطة القبض على حوالي ٤٠٠ شخص وأوقفت العديد منهم لما يزيد عن اسبوعين من دون توجيه تهم اليهم، طبق لما ذكرت عائلات عدد من الموقوفين.
وفي كركوك، تسبب رد قوات الأمن بتعقيد النزاع القائم منذ أمد طويل بين عدد من المجموعات الأثنية، ومن بينهم العرب والاكراد والتركمان، الذين يتزاحمون على امتلاك الارض نفسها. ذلك ان نشر قوات الامن العراقية يتأثر ليس فقط بمقتضيات السلامة العامة بل ايضا بالمطامح السياسية لدى قادتها وأطماعهم في الارض.
وفي يوم الاربعاء، وبعدما اتضح ان الشرطة المحلية تعرضت لهزيمة، عمدت الفرقة ١٢ من الجيش العراقي (وغالبيتها من العرب) المستقرة بقاعدة كركوك الجوية القريبة، الى عرض تدخلها، طبقا لاحد افراد الفرقة، لكن محافظ كركوك، نجم الدين كريم، وهو كردي، رفض العرض، مفضلا استقدام قوات خاصة كردية من السليمانية، وهذا يعني السير حوالي ساعتين للوصول الى موقع المواجهة .